الرئيسية » أخبار ثقافية » المحبرة الوهمية – بقلم فؤاد البياز القاسمي

المحبرة الوهمية – بقلم فؤاد البياز القاسمي

المحبرة الوهمية

هنا حيث تضع رجلك في هذا العالم الرقمي. المحبرة الوهمية الممتدة بلا حدود وبلا تأشيرة. يجتمع فيها المثقف والأمي الراقي والسفيه. تتمازج أسطوانة المعرفة بين الوهم والحقيقة. بضغط الزر تفتح لك البوابة على المتعة والتشويق بسرعة البرق. تدور عقارب الساعة من أعلى الفردوس إلى بقاع النذالة. ببصمة صحيحة او خاطئة تتخطى أبراج عالية لتسقط في مستنقعات غريبة. هنا تظهر الأنانية الفردية والنرجسية القصوى. كل يمتطي حصان نفسه. يتزين يندف الشعر  ياخد سيلفي يسرد سياحته  يستعرض مناقب وشمائله وانشطته ونضالاته… الخ جميل ذالك في ألبوم شخصي رقمي ممتع. بقدر ما تغيب المعرفة الساطعة المفيدة والذوق الرفيع. كما تظهر الانانية الجماعية في زوايا مظلمة كل يعزف سمفونيته. النقابات الاحزاب الجماعات  الإسلامية المنظمات… فتستظل الجمعيات بظلهم الاديولوجي او الوصولي. والإعلام ينفخ في بالونات الكل. فيتولد من ذالك كائنات الخواء. اخطر كائنات امتزج فيهم كل ماهو سلبي.ساقط مائع. هم خراب الديار و دعاة البوار. وتبقى هذه البحيرة الزرقاء مفتوحة  على المجهول المهول.
الأنا المزيفة. هي تلك الانا المتكلمة الناطقة بلسان الرقن اليومي العبثي. الأنا التي تخبرنا عن مكنونها هنا وهناك. تتعدد تجليات الأنا. فهي الخارقة التي تفتي تارة  وهي الناصحة وهي التي تحدثنا عن معارف لامتناهية. هي الأنا المدافعة عن الجماهير المغلوبة  المضطهدة. فيهي تدغدغ الحماس الملتهب في القاعدة الشعبية. هي الأنا المغامرة في أعماق البوادي والاحراش. وفي أعلى برج ايفل. أو ناطحة السحاب في منهاتن تعلن للجميع انها تسلقت إلى أعلى قمة. هي السعيدة في كل ميدان بقياس رقمي هي الأنا السيكوباتية التي عصرتها اللاڤا البركانية المعيشية اليومية. لتخرج لنا إبداعات صاخبة. وتبقى الأنا للمحبرة الوهمية مزيفة وكاذبة ان لم تترك مساحة الاهتمام بينها وبين المتلقي. فلا حاجة للتودد ان لم يكن المنبع صافي.

 صفف حروفك وركب المعاني ببيان اللغة المميزة. باللغة الهادفة. باللغة الماتعة. التي تنهل من السلسبيل الصافي. ففي كل لغة لها اِعرابها واِفصاحها. غير أن اللغة المميزة تُسقيك من تأويل المعارف. أو عرفان الأرواح… فاللغة الواضحة . تحرك دولاب الارادة الفردية كما تحرك الارادة الجماعية.

اظن ان المتخيل في وعينا هي النخبوية التي تخلق مساحة بينها وبين المتلقي حيث ان بعض منهم عاكف في برجه العالي. أو أن الاغلبية لم تتدرج إلى الأعلى في فهم صياغة التراكيب لمناهج التواصل العالمية. فالتواصل الكوني اليوم ليس كالامس الذي كان يعتمد في حدوده الكلي على عالم التجمعات المنعزلة في الارياف أو القبلية أوالتجمعات الحضرية هنا وهناك. كما أن التواصل كان بطيئا جدا . ويستعصي كلما كان  وراء حدود القارات والبحار.
اما اليوم فتطوُّر التقنيات والوسائل واحتكاك الحضارات. تحرَّرَ الإنسان. وفتح الباب على مصراعيه في فهم لغة التواصل السهلة العالمية المُيَسّرة . لكن الشعوب المقهورة او الشعوب النامية. لم تستوعب أسس التواصل الحضاري الآني. ولم تبقى اللغة كتلك التي كانت كما عرفها ابن جني في كتابه الخصائص. هي مجموعة من الاصوات والحركات المعبر بها عند كل فرد. ولم تبقى اللغة كتلك التي قننها سارتر في علاقتها مع الغير  بالقطيعة والحذر.. فاللغة نتاج تلاقح الحضارات.  التحديات التي تعيشها شعوب ما تحت المدار تباين و اختلال  في كل بلد وحثى بين  الاسر في استيعاب لغة  التواصل المعاصر. من الملاحظ ان القاعدة التاريخية كل دولة تزدهر عندما تعتمد قاعدتها على التجانس البشري المستمد من الهجرات. مثلا الأندلس.. اسطمبول.  أثينا.. . بغداد… واليوم الولايات المتحدة الأمريكية ومن قبل الجزيرة الايبرية فتتداخل اللغات وتتوسع المعاجم. فتتكون تربة صالحة للتواصل ومن تم صالحة للزراعة والإنتاج …

فؤاد البياز القاسمي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.