أخر المستجدات
الرئيسية » مقالات » ليبيا المفخخة والمهمات القذرة .بقلم الكاتب نسيم قبها

ليبيا المفخخة والمهمات القذرة .بقلم الكاتب نسيم قبها

ليبيا المفخخة والمهمات القذرة
نسيم قبها
نائب رئيس مجلس الكتاب والأدباء والمثقفين العرب
فرع فلسطين

من تتبع التعبئة الداخلية في أميركا إزاء الحراك الذي أحدثه الاتفاق التركي مع ليبيا يتضح أن سماح أميركا للسراج بالتوقيع على الاتفاقية مع تركيا مسألة مدروسة بعناية، حيث أوعزت إدارة ترمب لمجموعات الضغط للعمل على إدراج بنود تضاف لمشروع الميزانية لإعادة تأكيد التزام أميركا تجاه الدول المعنية وإرسال رسالة ردع لتركيا.
فقد قام الكونجرس الأميركي ومن خلال مشروع الميزانية بتفعيل دور الحكومة في مشاريع الطاقة ودفعها للعب دور أمني أكثر فعالية، ورفع الحظر عن المبيعات العسكرية لقبرص. وهذا كله في ظل بدء المفوضية الأوروبية الجديدة أعمالها، مما يفرض أزمة شرق المتوسط على جدول أعمالها، ويربك أجندة إيمانويل ماكرون الذي اتهم القوميين بالتواطؤ على تفكيك أوروبا، مؤكدًا أن القوميين الذين يريدون تقسيمها هم أعداؤها الأوائل.
ولا شك أن أزمة شرق المتوسط ستعلي أصوات القوميين وتدعو إلى الضغط على أردوغان الذي قد يتدخل في ليبيا عسكريًّا، ويؤثر على المصالح الأوروبية جنوب المتوسط، ومن ذلك محاولته حشد تونس والجزائر إلى جانب حكومة الوفاق الليبية وقضية الحدود الإقليمية مع اليونان وقبرص ومواجهة روسيا وفرنسا اللتين تدعمان خليفة حفتر. وكل ذلك مما تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه، فقد صرح السناتور ماركو روبيو (جمهوري – ولاية فلوريدا) أنه “برفع حظر الأسلحة عن قبرص وتوسيع المساعدات العسكرية اللازمة لليونان فإن هذا القانون يحدث نهجًا شاملًا لاستقرار شركاء ذوي أهمية في المنطقة”.
وفي تعليق مباشر على دور تركيا في شرق المتوسط صرح النائب جس بيليراكس (جمهوري – فلوريدا) “في ظل عدم استقرار المنطقة واتخاذ تركيا طريقًا مبتعدة به عن الغرب، فإن الشراكة بين أميركا وإسرائيل واليونان وقبرص توقيتها استثنائي”.
فيما قال السناتور بوب منديز (ديموقراطي – نيو جيرسي) عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ومشارك في صياغة القانون إن القانون “يعلن عن ولادة يوم جديد للولايات المتحدة في شرق المتوسط”. كما شمل القانون عدة نقاط سابقة لفرضها على الرئيس ترمب، ومنها توبيخ تركيا كمنعها من العودة إلى مشروع الطائرة أف-35 في حال استمرارها تشغيل نظام أس-400. كما شمل نقاطًا تتعلق بصلاحيات الأجهزة الفدرالية لتقديم تقارير عن أي انتهاكات تركية للمجال الجوي والبحري القبرصي واليوناني.
في حين عكفت مجموعات الضغط اليهودية والإنجيليون على صياغة القانون ودعم عملية التصويت في مجلسي النواب والشيوخ. ومنهم جولي رايمان، نائب مدير الشؤون السياسية والدبلوماسية للجنة اليهود الأميركان، والتي ادعت بأن القانون يضع أميركا في موضع صياغة متغيرات الوضع ومحاسبة تركيا.
كما صدرت تصريحات استعلائية تحريضية من مجموعة المسيحيين المتحدين لأجل إسرائيل، وهي أكبر مجموعة إنجيلية داعمة لترمب منددة بأردوغان بزعم تهديده أمن أميركا و”إسرائيل”. كما صرح مؤسس المجموعة ورئيسها القس جون هاجي أن “تركيا تحت إدارة اردوغان الاستبدادية هجرت المفاهيم التي جعلت منها يومًا حليفًا لإسرائيل وأميركا. ولذا فإن أقل ما يمكن لنا فعله هو زيادة التقارب والتعاون بين أميركا وإسرائيل واليونان وقبرص حتى تدرك تركيا أنها لا تستطيع التنكر للدول الكبيرة والصغيرة. كما هدد تركيا مكررًا أقوال ترمب: “إذا استمرت تركيا في تحولها نحو روسيا وإيران فإن اقتصادها سيدمر ولن يبقى لها من الحلفاء سوى الدول المنبوذة”.
ولهذا السبب يحاول أردوغان أن يحشد بعض الدول كتونس التي زارها مؤخرًا، وأن يدعو إلى مشاركة قطر والجزائر في تفاهمات حول ليبيا، وذلك لخلق توازن في مواجهة مصر وقبرص واليونان وتوفير مظلة عربية لتدخله في ليبيا. ما يعني بقاء ليبيا مفخخة على الضفة الجنوبية لأوروبا، التي أربكتها موجات الهجرة و”الإرهاب” الآتي من سوريا. ولهذا سارع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والمفوض السامي الأوروبي في تلبية دعوة فايز السراج الدول الصديقة للتدخل عقب إعلان تركيا عن موافقتها على إرسال جنودها لدعم حكومة السراج بموجب الاتفاق الأمني الموقع بينهما.
وهذه الخطوات التي اتخذتها أميركا لم تأتِ من فراغ بل هي خطوات تم دراستها قبل أن تسمح للسراج بزيارة أنقرة وتوقيع اتفاقية الأمن والتعاون الاقتصادي معها.
أما بخصوص ليبيا ففي ضوء توصيات مؤسسة رند للإدارة الأميركية الواردة في تقريرها في مارس سنة 2014م تحت عنوان “ليبيا بعد القذافي، دروس وانعكاسات على المستقبل” يمكن فهم الاستراتيجية الأميركية إزاء ليبيا بين سطور التقرير. حيث تحدث عن حرب أهلية ودعا القوى الدولية إلى الاستعداد لنشر قوات حفظ سلام، وتحدث عن إمكانية توصل المجموعات في ليبيا إلى توافق سياسي يخفف من الاحتقان بدل أن يفرض طرف واحد سيطرته بالقوة، كما حدد التقرير والتوصيات خيارات التعاطي مع الملف الليبي بأن “تتولى الأمم المتحدة مهمة حفظ السلام، وإذا منعت الخلافات في مجلس الأمن من نشر القوة فإن الناتو والاتحاد الأوروبي سيتوجب عليهما التصرف بشكل مستقل”.
وكما هو واضح فإن مبعوثيْ الأمم المتحدة قد سعيا إلى إفشال أي محاولة للتوافق بين القوى المتنازعة في ليبيا، وتعميق الانفلات الأمني والتردي الاقتصادي ودعم حفتر؛ لوضع الحكومات الليبية المتعاقبة أمام تحديات تتجاوز قدراتها لتبرير التدخل الخارجي وتمهيدًا لنزع سلاح الفصائل ودمج أفرادها في مؤسسات الدولة إن لم تتمكن حكومة الوفاق من احتوائها تحت تهديد سلاح حفتر والدول الداعمة له.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تقرير رند قد أشار إلى أن “العديد من الليبيين يظلون بشكل عام أقرب في آفاقهم إلى الأميركيين رغم نفورهم العام من النفوذ الأجنبي”. ومن هنا نفهم أن سماح الولايات المتحدة لفرنسا وروسيا بالتدخل في ليبيا هو للنأي بنفسها وتدخلها العسكري المباشر عن المهمات القذرة والمنفرة كتلك التي تقوم بها روسيا وفرنسا. في حين تسعى عدد من الشخصيات السياسية الليبية إلى تسويق الولايات المتحدة كطرف نزيه ومحايد.
بالنسبة للروس فإنهم كعادتهم يحاولون الاصطياد في الماء العكر لأخذ غنيمة ما.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.