الرئيسية » مقالات » العفو.. مقالة بقلم فاطمة امزيل سفيرة المحبة

العفو.. مقالة بقلم فاطمة امزيل سفيرة المحبة

العفو
مقالة
العفو لغة من عَفَا يَعْفُو عَفْوًا، فهو عافٍ وعَفُوٌّ، والعَفْوُ هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأصله المـحو والطمس، وعفوتُ عن الحق أي أسقطته، كأنك محوته عن الذي عليه .. قال الخليل بن أحمد الفراهيدي : ” وكلُّ مَن استحقَّ عُقوبةً فتركْتَه فقد عفوتَ عنه. وقد يكون أن يعفُوَ الإنسان عن الشَّيء بمعنى الترك، ولا يكون ذلك عن استحقاق ” ..
والعَفْوُ اصطلاحًا هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب ..
وقيل : ” هو القصد لتناول الشيء والتجاوز عن الذنب ” ..
وقال الراغب : ” العفو هو التجافي عن الذنب ” ..
والصفح لغةً هو مصدر صَفَحَ عنه يَصْفَح صَفْحًا أي أَعرض عن ذنبه .. وهو صَفُوح وصَفَّاحٌ عَفُوٌّ .. والصَّفُوحُ الكريم لأنه يَصْفَح عمن جَنى عليه ..
وذكر بعض أهل العلم أن الصفح مشتق من صفحة العنق .. لأنَّ الذي يصفح كأنه يولي بصفحة العنق إعراضًا عن الإساءة ..
والصفح اصطلاحا هو ترك التأنيب .. وقيل هو إزالة أثر الذنب من النفس ..
ونلمس في العفو رحمة بالمسيء .. وتقدير لجانب ضعفه البشري .. وامتثال لأمر الله عز وجل .. وطلب لعفوه وغفرانه .. كما أنه يؤدي إلى توثيق الروابط الاجتماعية التي تتعرض إلى الوهن والانفصام بسبب إساءة بعضنا إلى بعض .. وجناية بعضنا على بعض .. وانتشار الظلم والنزوع إلى الانتقام ..
والعفو والصفح عن الآخرين سبب لنيل مرضاة الله سبحانه وتعالى وبلوغ التقوى .. قال تعالى : ” وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُم ” سورة البقرة الآية 237
فالعفو والصفح من صفات المتقين .. قال تعالى : ” وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ” سورة آل عمران الآية 133، 134
يقول المناوي : ” سلوا اللّه العفو والعافية ” أي واحذروا سؤال البلاء ” فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية ” وأفرد العافية بعد جمعها مع العفو .. لأن معنى العفو محو الذنب .. ومعنى العافية السلامة من الأسقام والبلاء .. فاستغنى عن ذكر العفو بها لشمولها .. ثم إنه جمع بين عافيتي الدنيا والدين لأن صلاح العبد لا يتم في الدارين إلا بالعفو واليقين .. فاليقين يدفع عنه عقوبة الآخرة .. والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا وأسقامها في قلبه وبدنه ..
والعفوّ هو أحد أسماء الله الحسنى .. وهو صفةٌ من صفات الله تعالى .. فهو الذي يمحو السيّئات ويتجاوز عن المعاصي .. وفي هذا دلالة على أهمية ومكانة هذا الخُلق في الإسلام .. لأن عفو الإنسان عمّن ظلمه ومقابلة الإساءة بالإحسان خلقٌ حسن .. كما يُحسن الله عز وجل في الدّنيا إلى العصاة والكفرة ولا يُعجّل لهم بالعقاب .. بل ربما يعفو عنهم ويتوب عليهم .. وهذا من رحمته بعباده ..
وما أمرنا الله سبحانه وتعالى بالعفو والصفح إلا لننال جزاء ذلك كونه جل جلاله عفو غفور رحيم بالعباد .. فمن ربنا نتعلم وبصفاته نتيمم ..
يقول الله سبحانه وتعالى : ” وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم ” سورة التغابن الآية 14
ويقول سبحانه وتعالى : ” فَمَن عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه ” سورة الشورى الآية 40
ويقول : ” وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ” سورة النور الآية 22
وقد مرر لنا الرسل والأنبياء هذه الخصال وعلمونا أن الدين المعاملة .. وأن الأخلاق لجام عند الخطإ .. وزمام عند الصواب ..
يقول رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : ” مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُؤوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ” رواه أبو داود والترمذي وحسنه ..
يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : ” أحب الأمور إلى الله ثلاثة : العفو في القدرة، والقصد في الجدة، والرفق في العبادة، وما رفق أحد بأحد في الدنيا إلا رفق الله به يوم القيامة ” ..
عن ابن عباس أنه قال : قال رسول الله ﷺ : ” إذا كان يوم القيامة نادى مناد يقول : أين العافون عن الناس؟ هلمّوا إلى ربكم، وخذوا أجوركم، وحق على كل امرئ مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة ” عن مختصر تفسير ابن كثير للصابوني ..
فلنحاول أن نكون من العافين عن الناس قدر المستطاع .. فالعفو عند المقدرة فيه فضيلة العزة والشرف للعافين كما في الحديث عن أبي هريرة : ” ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ، إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ لِلَّهِ إلَا رَفَعَهُ اللَّهُ ” رواه مسلم برقم 2588 ..
ويعتبر العفو عند المقدرة والمبادرة في تحقيق السلم والسلام وعقد الصلح .. منهاجًا ربانيًا لنبذ الخلاف وشيوع العدل والمحبة بين الناس والمجتمعات والسبيل إلى بلوغ السعادة التي تتمثل في استئناف العلاقات الاجتماعية واستمرارها بين الناس .. فبيدنا أن نعفو ونصفح في موضع العقاب والأذية .. فذلك اختبار الإيمان والصبر .. وهو أيضا صفة الدفع أحسن .. أي تقديم الخير على الشر للحفاظ على العلاقة بين الطرفين .. قال تعالى : ” وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ” سورة فصلت الآية 34 – 35 ..
عفا الله عني وعنكم وجعلنا من الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ..

فاطمة امزيل سفيرة المحبة

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.