ما اشبه اليوم بالبارحة…. بقلم الأديب علي محمود الشافعي …. وكالة الراي العربي …
نشرت بواسطة: YASMEN ALSHAM
في آخر الأخبار
5 أغسطس، 2017
954 زيارة
ما اشبه اليوم بالبارحة بقلم علي الشافعي
قال لي صاحبي ــ وقد انتفخت أوداجه , واحمرّ وجهه , وستشاط غضبا ــ : اكاد أتميّز من الغيظ , قلبي يكاد ينفجر . قلت : سلامة قلبك يا صاح , ما الذي الْهب قلبك ؟ قال : ألا ترى حالة من التردي والخذلان التي وصلنا لها ؟ قلت : أهذه جديده ؟ نحن نعيشها من زمن , الفناها والفتنا , اعتدنا على بعض . فما الجديد في الامر ؟ قال : هذا السلوك الهمجي للصهاينة في المسجد الاقصى , ومنعهم المصلين من الاذان والصلاة , وضربهم الشيوخ والعجزة والنساء والاطفال , على مرأى ومسمع من كل وسائل الاعلام في بلاد العرب , وما حرك أحدهم ساكنا . قلت : ولن يهتز لهم شارب اكثر من اهتزاز خصورهم مع اول نغمة طرب , او اول هدف في شباك فريق الخصم . قال : والاستفزازات اليومية اخرها حادثة السفارة , وقتل اثنين من المواطنين الاردنيين الابرياء على الارض الاردنية , وداخل السفارة بدم بارد , ومكافاة القاتل من قبل رئيس وزرائهم ـــ امام وسائل الاعلام ايضا ــ بسهرة له مع صاحبته في ارقى فنادق الكيان على الارض الفلسطينية المغتصبة , واستفزازات عضو الكنيست الذي قال : اننا نحمي مؤخرة الاردنيين ونسقيهم ماءنا . فهل مؤخراتنا مكشوفة لهذه الدرجة ليحميها هؤلاء ؟ قلت : هوّن عليك يا صاحبي , أهذه أول مرة يعتدي فيها الصهاينة على المقدسات الاسلامية والمسيحية في فلسطين ؟ قال : لا . قلت : أتعتقد ان هذه ستكون اخر مرة ؟ قال : لا اظن . قلت : وهل هي اول مرة يعتدي فيها الصهاينة على مواطن ادني اعزل ؟ قال : لا , اما تذكر حادثة مقتل القاضي رائد زعيتر على الجسر , على يد عسكور صهيوني قامته اقصر من سلاحه ؟ قلت : وهل عوقبوا على فعلتهم ؟ قال : بل ترقّى الجندي القاتل . قلت : هل المعتصم مازال حيا ؟ قال : مات من زمن وشبع موت . قلت : اذن اسمع ـــ يا رعاك الله ـــ :
وَرَبِّك , ورب ابراهيم وموسى وعيسى , ورب ما امنت به العرب لو انفجر قلبك وقلبي مع قلبك , وقلب كل من تحب , ومن يحب من تحب , وانتقضت حجارة المسجد الاقصى حجرا حجرا , ولوْحات قبة الصخرة لوحة لوحة , والقيت على عواصم بلاد العرب عاصمة عاصمة , ما اهتز شارب واحد من شوارب حكماء بني عرب الملهمين . وكيف تهتز شواربٌ قصت من جذورها من زمن , حتى لا تذكّرهم بحمية الاباء والاجداد , فيتذكروا بطولات الرشيد , ونخوة المعتصم , وجرأة طارق , وشجاعة خالد , وسطوة محمد الفاتح , فتتراقص شواربهم طربا , فيحاسَبهم البيت الابيض على هذا التراقص الوطني . اما اذا احسوا باهتزار الكراسي من تحتهم هاجوا وماجوا , وقلبوا الارض , وجعلوا عاليها سافلها واعزة اهلها اذلة , وصبّوا جحيم قنابلهم على رؤوس العزل من شعوبهم , واغرقوا واحرقوا وقتّلوا وشرّدوا وقالوا : نحن الحكام نصنع شعوبنا على أعيننا وبوحْينا .
قال : يا اخي لا اكاد افهمك وانت هادئ الطبع , أهذا تفاؤل ام تشاؤم ؟ قلت : بل تفاؤل يا صاحبي تفاؤل . قال : كيف ؟ قلت : يا صديقي , الفجر يبزغ بعد اشد ساعات الليل ظلمة , الا تسمع قول الله تعالى (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ) .
قال ـــ وقد هدأ بعض الشىء ـــ : هل لهذا الليل من اخر ؟ اهناك ضوء في نهاية النفق ؟ اتحرق لأجل هؤلاء الذين يقفون بصدور عارية يدافعون عن شرف الامة وكرامتها , رغم خذلان القريب والبعيد , من صمت يقْهر الى تنديدات واحتجاجات ليتها لم تصدر . قلت : على رسلك يا صاح , هؤلاء اناس يختارهم الله في كل عصر للذود عن حماه , لا تتصوّر الثواب الذي اعد لهم . ليتنا شعرةٌ في اجسامهم او حتى حبيبات غبارٍ على اقدامهم . يا صاحبي : سيكتشف العالم يوما ان اسرائيل احتلت كل الوطن العربي والاسلامي , لكنها تحاول احتلال فلسطين . اما عن سؤالك فسأتركك والتاريخ , ليسرد لك شيئا من حكاياه , وما اشبه اليوم بالبارحة .
يعود بنا التاريخ الى سنة 656 وبالتحديد للعاشر من شباط حيث سقطت عاصمة الخلافة الاسلامية ودرة تاجها , بلد الرشيد ومدينة العلم السلام ( بغداد) في قبضة التتار دون قتال , فآخر خلفاء بني العباس(المستعصم ) جبن عن ملاقاتهم , واثر السلامة فجمع حاشيته وخرج لاستقبالهم وتسليمهم المدينة , فامر قائد التتار هولاكو بهم جميعا فقيدوا وذبحوا ذبح النعاج , ثم دخلوا المدينة فعاثوا فيها , واهلكوا الحرث والنسل . انطلقوا بعدها الى دمشق حاضرة بني امية , وكانوا كلما مروا على قرية افسدوها وجعلوا اعزة اهلها اذلة , حتي اذا وصلوا دمشق فعلوا بها مثلما فعلوا ببغداد , ثم تجهزوا لغزو مصر وشمال افريقيا . كان في مصر في ذلك الوقت رجل لا ككل الرجال هو المظفر قطز , الذي اعلن النفير واصر على التوجه الى المغول وملاقاتهم قبل وصولهم الى مصر . حاول اشباه الرجال تثبيط عزيمته ولكن لا جدوى , اختار لهذه المهمة احد اشهر قواده هو (الظاهر ببرس) . وصل الجيش الى سهل في شمال فلسطين اسمه عين جالوت , حيث دارت رحى معركة ضروس هرب فيها اشباه الرجال وصمد الرجال , ولما زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر اتى نصر الله , فهُزم المغول وتقهقروا , وقضي على طموحهم , ثم ما لبثوا ان رجعوا الى بلادهم خائبين . ولعل من المفارقات العجيبة ـــ يا صاح ـــ ان المغول دخلوا هذه البلاد غاصبين , لكنهم عادوا الى ديارهم مسلمين , وساعدوا الدولة العثمانية في القضاء على نفوذ روسيا القيصرية على ضفاف البحر الاسود , وكان لهم الفضل في نشر الاسلام في اسيا الوسطى .
سبق هجوم المغول ــ يا دام سعد اهلك ــ على المشرق العربي الهجمة الصليبية على بلاد الشام وبيت المقدس والتي استمرت 200عام , رزح منها بيت المقدس تسعين سنة تحت الاحتلال الصليبي عطلت خلالها الصلاة فيه . كانت كل مدينة تشكل امارة معادية لأختها ومتآمرة عليها ومناصرة للصليبيين اغلب الاحيان . ثم كان الفرج ونهضت الامة وتوحدت على يد السلطان صلاح الدين الايوبي , الذي قاتل الصليبين وانتصر عليهم ودخل المسجد الاقصى فاتحا في السابع والعشرين من رجب عام 583هـ .
نسال الله ان يقيض لهذه الامة من يسدد خطاها ويوقظها من سكرتها ويوحد صفوفها , ويرفع الحيف عنها ويعيد الحقوق لا صحابها . طبتم وطابت اوقاتكم .
2017-08-05