الرئيسية » آخر الأخبار » يا امة… بقلم الأديب علي الشافعي…. وكالة الراي العربي ….

يا امة… بقلم الأديب علي الشافعي…. وكالة الراي العربي ….

يا امة… بقلم علي الشافعي
يقولون ــ يا دام سعد بني ابيكم ــ الشباب عماد الامة , ودرعها في الملمات وقلعتها الحصينة , ويقولون الامم لا تنهض الا بسواعد شبابها وحكمة شيوخها, ويقولون ان قوة حجارة البناء مرتكزة على القواعد , وان قوة فروع الشجرة بجذورها , ويقول عليه الصلاة والسلام نصرت بالشباب , وقد اخذ برايهم يوم احد , لكن عصرنا هذا عصر العجائب , اختلت فيه الموازين وانقلبت القيم , وتبدلت الادوار , تخلى معظم الشباب عن دورهم , وتغير سلم اهتماماتهم واولوياتهم .
ظاهرتان غريبتان غزتا مجتمعاتنا موجهتان للشباب , اشم من ورائهما رائحة ابناء يعقوب , لينحرف الشباب عن الدور المناط بهم في المجتمعات عموما , والمجتمعات العربية على وجه الخصوص . اضافة الى شياط طبخة حكومية اظنها تطبخ على نار هادئة عندنا هذه الايام . ما هما ؟ وما اثارهما على شبابنا ؟ ودور الحكومات وتشجيعها وغض الطرف احيانا عن التجاوزات ؟ فسأقول لكم بعد ان تصلو على الحبيب المصطفى :
الظاهرة الاولي هي كرة القدم والملاعب والفرق والنوادي المحلية والدولية , والترويج لها بإقامة المباريات والبطولات والمهرجانات , وانفاق المليارات لبناء الملاعب , والتسابق والتناحر والتآمر لاستضافة بطولات عالمية , وقد تقع الحروب بسبب ذلك , في بلاد قد يكون شعبها يعاني من ويلات الجوع والفقر والعوز . واصبح نجم الكرة اشهر من قوّاد اشهر المعارك في التاريخ , فاذا سالت أي شاب من شبابنا عن النجم الكروي ( فلان) اعطاك معلومات وافية وشرحا مستفيضا ــ لا يخلو من الاعجاب ــ عن حياته الخرافية , من يوم ان بزّته امه الى يومه المحتوم , وتجده يبلّم ويتلعثم اذا سألته الفرق بين المسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفة . تتراقص شواربه ــ ان كانت له شوارب ــ غضبا لخسارة الفريق الذي يشجعه , اكثر من تراقصها ان قدر له ان يشاهد اعتداء بني صهيون على اخواته المرابطات داخل اسوار بيت المقدس في الوطن السليب . وبدلا من ان تقرب الكرة الوحدة العربية وتحققها , اصبحت معرض حرب بين شعوبها , ليس اولها المعارك الباردة التي دارت بين مصر والجزائر قبل اعوام , ولن يكون اخرها ما فعله مشجعو فريقنا الوطني المحترمون على ارض الكنانة ( مصر) , اذ لم يراعوا آداب الضيافة ولا الاخلاقيات التي اشتهر بها الاردنيون اينما حلوا , اضف الى ذلك اثارة نعرات وعصبيات ومعارك ضروس في الملاعب وحولها وحتي في البيوت بين افراد الاسرة الواحدة . اما على مواقع التواصل الاجتماعي فهذه قصة اخري , حرب ضروس تذكي نار الفتن والنعرات , وقانا الله شرها وهدى شبابنا الى التعالي عنها , فقد اثيرت نعرات وعصبيات وقضايا طائفية واجتماعية , وقسم البلد حسب مشجعي الفرق , شمالي وجنوبي وشرقي وغربي , واثيرت قضايا عفا عليها الزمن وعصبيات نتنة .
احزنتني نكتة تداولتها مواقع التواصل الاجتماع ايام العيد ان صاحب زريبة مواشي يروّج للخراف الرومانية فيقول : صار لها بالبلد سبعة اشهر اكلت من طعام البلد فصارت بلدية لا يختلف طعمها عن طعم اللحوم البلدية . فأجابه الزبون : (يا رجال : احنا صار لنا عقود على هالارض , اكلنا من خيرها وساهمنا في بنائها, وسكنت قلوبنا وعقولنا , فحافظنا على ترابها , واختلطت دماؤنا بدماء هلها نسبا وفى ساحات الوغى , في الكرامة واللطرون وباب الواد , ومع ذلك ما زال بعض دعاة العنصرية يقول اردني وفلسطيني , وشمالي وجنوبي , والمنابت والاصول , وعرار وطوقان . (( دعوها فانها منتنة)) , وليس منا من دعا الى عصبية .
اما الظاهرة الثانية فهي تلك المهرجانات والحفلات الغنائية , والتي تحرص الحكومات على اقامتها على مدار العام تحت عدة مسميات (مهرجان الصيف , مهرجان الربيع , مهرجان جرش قرطاج بابل الخ …) , واستُقبِل المغنون والمغنيات استقبال الابطال الفاتحين , ولقبوا بأفخم الالقاب , وسلطت عليهم اضواء الاعلام والفضائيات الخبيثة , لتظهر للناس الوجه الحسن , حتى اصبحوا اشهر من رؤساء الدول واستقبالهم افخم , فقلدهم شبابنا في لباسهم وحركاتهم وقصات شعورهم وبرستيجهم , وبات اقصى امنيات الواحدة من بناتنا ان تكون مغنية , او على الاقل تشبه المغنية فلانه , وهي لا تعرف شيئا عن تاريخها الماجن وحياتها الخاصة . فصار عندهن هوس اسمه هوس المغنين فمن التي تحب ان تصبح مغنية , والتي يحاول تغيير شكلها لتشبه المغنية علانة , الى التي تموت عشقا في المغني الفلاني او الممثل العلاني , وقد تنتحر اذا لا قدر الله ــ بعيد الشر عن قلبه ــ اصابه مكروه . وهي ايضا لا تعرف شيئا عن حياته الخاصة , لان الاعلام زوقه وزينه وجمله , وكما تعرفون فإعلامنا كله اعلام مسير مسيس , وفضائياتنا اكثر تسييرا وتسْييسا . تنفق اموال طائلة على استقبال مغن هابط , يشهد الكل بفسوقه ومجونه , ليعطى لقب سفير النوايا الحسنة , ولا نزال نذكر الفنانة ــ ستر الله عليها ــ التي كرّمت على ارضنا ومنحت لقب الام المثالية لتصبح ام الاردنيين , وكان ارضنا عجزت عن انجاب ام مثالية , ولتستقبل تلك الفنانة استقبال الماجدات , وتحملها السيارة السوداء الفارهة , من ارض المطار الى ارقى فنادق العاصمة , وهات مقابلات واحتفالات وتنزيع اوسمة وجوائز , كل ذلك من قوت شعب جائع بائس 80% من ابنائه تحت خط الفقر, لهذا اقول لكم اشم شياط طبخة حكومية وراء كل ما يجري , وكأننا على راي السيدة فيروز : القطعان في واد والرعيان في واد ونادي يا منادي .
وهناك ظاهرة اخرى هي ظاهرة الهوس بالخلويات والحرص على اقتناء ارقاها واحدثها , وان كان ذلك على حساب من يعول , والهوس بالموضة والقصات والتسريحات , لتقليد الممثل الفلاني ولاعب الكرة العلاني , والمغني الشيطاني والمغنية البهلوانية , ظهرت في كلبها الاخير ببروش كذا, او تسريحة كذا او تفصيلة فستانها كذا , فتحرص على اقتناء ذلك مهما كلفها الثمن, ولو كان على حساب جيب رب الاسرة الفارغ اصلا حتى لا ينعت بالبخل والرجعية .
وبعد ــ يا سادتي الكرام ــ فأي امة هذه والى اين نحن ذاهبون , هل هذه الامة هي التي كانت خير امة اخرجت للناس , وهل شبابها هم الذين سادوا الدنيا , وهل هم في هذا الوقت مؤهلون لقيادتها بلدانهم وبنائها ,هل سياتي يوم يسير الحصان امام العربة , و تكف ايدي الطامعين بها , بسواعد شبابنا وهمة بناتنا , ونبعد عنا سمة امة الجهل التي وصمت بها . كما وصفها المتنبي “يا امة ضحكت من جهلها الامم” . طبتم وطابت اوقاتكم .