تخليدا لليوم العالمي للغة الأم
أنقذوا لغتنا العربية
بقلم: د. محمد زرو الصفريوي
في 21 شباط / فبراير من كل عام تحتفل شعوب الأرض باليوم العالمي للغة الأم، ولتخليد هذا اليوم العالمي الرابع والعشرين الذي تبنته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) فقد ارتفعت المطالب في شتى أنحاء العالم بضرورة حماية اللغات الأم من مخاطر الذوبان في بعض اللغات المسيطرة على المشهد الثقافي والتعليمي خاصة في البلدان السائرة في طريق النمو.
ويذكر أن دولة بنغلاديش هي التي كانت سباقة إلى تخصيص يوم وطني لحماية لغتها الأم في التعليم والثقافة من مخاطر الذوبان في اللغة الإنجليزية قبل أن تتبنّاه منظمة اليونسكو في نونبر 1999 تحت قرار رقم: 30 C/DR.35 صدر خلال الدورة الثلاثين لمؤتمرها العام التي انعقدت في العاصمة الفرنسية.
واللافت للنظر أن ممثل فرنسا التي احتضنت على أراضيها هذا المؤتمر كان يدافع بشدة عن حماية اللغة الفرنسية من مخاطر تلاشيها أمام الاكتساح الجارف القادم من جهة اللغة الإنجليزية خصوصا بعد التفكك الذي أصاب منظمتها الفرنكفونية، وخروج كثير من الدول الإفريقية من جبة الاستعمار الثقافي الفرنسي، يذكر على رأس هذه الدول، التي ما أن أعلنت تخليها عن اللغة الفرنسية حتى ارتفعت مؤشرات التنمية في البلد وصارت اليوم من الدول القليلة التي تسجل أعلى معدلات النمو في العالم.
وهنا نتساءل: إذا كان هذا الوعي النهضوي بحماية اللغة الأم حاضرا لدى مسؤولي دولة بنغلاديش ولهذا هبوا إلى توعية الشعب بضرورة حماية اللغة البنغالية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إذا كان هذا الوعي نفسه حاضرا لدى الساسة الفرنسيين، وهم من يمارسون امتصاص اقتصاد ما يقرب من 20 دولة إفريقية عن طريق إخضاعها للاستعمار الثقافي والتبعية اللغوية، فهل آن الأوان كي يسلك المسؤولون في بلداننا العربية هذا المسلك ويسارعوا إلى الاستجابة لنبض الشعوب ورفع الحيف عنها بضرورة تحريرها ثقافيا وتمتيعها بمشاعر الاعتزاز بلغتها أو لغاتها الوطنية ؟؟
وقد شددت أودري أزولاي ذات الأصول الفرنسية اليهودية، والتي أسند لها منصب المديرة العامة لليونسكو، في خطاب بمناسبة اليوم الدولي للّغة الأم على “أهمية التعليم باللغة الأم لتمكين الفرد من التطور والنمو على أكمل وجه ونقل التراث اللغوي للأجيال القادمة” وأضافت أن التعليم باللغة الأم ضامن لنجاح مبادئ التعلم مدى الحياة قائلة: “الهدف الذي نصبو إليه في هذا اليوم الدولي في الاحتفال بشتى أساليب التعبير عن العالم من حولنا بكل أوجهه المتعددة، والالتزام بصون تنوع اللغات باعتبارها تراثاً مشتركاً للإنسانية، والسعي إلى توفير التعليم الجيد، باللغة الأم، للجميع”.
كما بينت أنه إذا كان من محاور المؤتمر “إحياء اللغات التي يهددها الاندثار أو التي طالها بالفعل” فإن العلاقة لا تقتصر على الارتباط بين اللغة الأم والهوية فحسب، إنها تمضي إلى حد الارتباط القوي بين اللغة الأم وبين النهضة والتقدم، مما يدفعنا إلى التأكيد على أن الاحتفاء بهذا اليوم العالمي لا ينبغي أن يكون احتفاء فلكلوريا يرتكز على بهارج الفانتازيا، وتلميع وجه السياسة اللغوية بالبلد عن طريق صياغة مواد دعائية مخصصة للاستهلاك الإعلامي، وإنما تنزيل برامج عملية لإنقاذ اللغة الأم من كل المخاطر التي لا تتهددها هي فحسب وإنما تنقذ من التلاشي والضياع المؤكد أجيالا من المتعلمين.
ولهذا يؤكد كل المثقفين الوطنيين على أن “البُعد النفسي” للغة الأم يجعل التلميذ في وضع نفسي مريح يمكنه من تحصيل المعارف والمهارات بسرعة أكبر ودون عوائق تعوقه بها اللغات الأجنبية.
وفي اللحظة التي نجد فيها أن دولا مثل كوريا والصين واليابان لم تحقق نهضتها إلا باعتماد لغتها الأم، كما أننا نجد أن دولا تفرض لغتها الأم في مدارسها وفي الحياة العامة رغم أن تعداد سكانها لا يتعدى بضعة ملايين مثل لاتفيا (2 مليون) وليتوانيا (3 مليون) وفنلندا (5 مليون ونصف) ودويلة الكيان الصهيوني (حوالي 6 ملايين) وهو رقم مبالغ فيه تروج له سلطة الاحتلال للتقليل من خطر الهجرة المضادة، كما أن هذا الرقم يستثنى منه الفلسطينيون، وهم السكان الأصليون أصحاب الأرض، والواقعون تحت نير الاحتلال الصهيوني. ومن دلالات هذا الاستثناء أن حكومة العدو الصهيوني تمارس سياسة الأبارتهيد وتعتبر نفسها دولة عبرية قائمة على الميز العنصري، بمعنى أن غير العبريين لا مكان لهم فيها.
وإذا أخذنا المغرب مثالا لآفة التمزق اللغوي الذي خلقه الاستعمار الفرنسي والإسباني لأرض المغرب فإنه يمكن ربط نسبة الهدر المدرسي المرتفعة بمشكل استعمال لغة غير اللغة الأم التي تعلم بها التلميذ أبجديات الكلام.
ذلك أن الواقع التربوي صادم للتلميذ المغربي، لأنه يمضي كل تعليمه الابتدائي في خضم صراع لغوي حاد بين اللغة الأم واللغات الأجنبية، مما يؤثر مباشرة على تراجع مستوى التحصيل الدراسي، يضاف إليه أن استعمال لغة أجنبية ليست هي اللغة الأم للمتعلّمين يتسبب في ضرب الشعور الوطني لديهم وإذكاء إحساسهم بنقص وجودي أمام المستعمرين الجدد. ولهذا يحذّر المتخصصون في علوم التربية من أن تؤدي آفة التمزق اللغوي التي خلقها الاستعمار، إلى أن تصبح المدرسة العمومية عامل هدر للمجهودات التربوية.
ولأنّ قضية اللغات تقع في صميم اختصاصاتها في مجال التربية والعلوم الاجتماعية والإنسانية والاتصال والمعلومات، فقد أسندت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى منظمة اليونسكو دور الوكيلة الرائدة فيما يتعلق بتنظيم هذا الحدث العالمي.