مقال
أوهام الركض خلف الأرانب..!.
يمضي بنا قطار الحياة، ينهب العمر نهبٱ. وليس لنا في إبطاء أو إيقاف انطلاقه قرار ولا خيار!
فالعمر كالرصاصة ليس لاندفاعها من رجوع.!
قدرنا أن نمضي العمر في صراع مع الأضداد. بين سكن وترحال.
شروق وغروب.. بزوغ وأفول.. لقاء ووداع.. انتصار وانكسار.!
وعندما يقترب قطار العمر من محطتنا الأخيرة ، نبدأ في الإستعداد لمغادرة الحياة. فنحمل حقيبة الوداع، ونتأبط ذراع ذكرياتنا، بعد أن تساقطت أحلام عشنا بها زمنٱ رغدٱ، كما تتساقط أوراق الخريف اليابسة الصفراء.!
وفي حقيبة الرحلة كتاب العمر الذي سجل في صفحاته الخضراء أحلام عمرنا التي سفحنا أيامنا في الركض خلفها.!
تمامٱ كما وصفها «بهاء الدين زهير» :
ومضى يعدو وأعدو خلفه
وترانا قد طوينا الأرض طي
قال ما ترجع عني قلت لا
قال ما تطلب مني قلت شي
فمنا من كانت حياته في الركض خلف المال ، كلما نال منه شيئٱ
ازداد نهمٱ للمزيد. فإذا هو في نهاية الرحلة يتركه خلف ظهره ولا يحمل منه في اللحد شيئٱ.!
ومنا من قضى عمره في الركض خلف المناصب والسلطة، وكلما تبوأ منصبٱ وفاز بمقعده توحد معه وكأنه ولد به وقرن باسمه في شهادة مولده.!
ومنا من أفنى عمره في الركض خلف ألقاب زائفة وزعامة واهية ، فزالت وذهب نعيمها وبقيت مرارة ضياعها وحسرة فقدانها.!
ثم تأتي لحظة تتوارى فيها شمس العمر خلف الغمام فيفيق الإنسان من غفلته ويسائل نفسه : لم أضعت عمري في الركض خلف هذه الأوهام الزائفة؟!
ولم أضعت حياتي في الركض لغيري كالخيل مسخرة في مضمار السباق.!
ومن جميل ما يرويه أحد الحكماء، أن أحد الأثرياء زار صديقٱ له ، فوجده يقتني كلبٱ شابٱ قويٱ يافعٱ مهيبٱ. فسأل صديقه عن شأن هذا الكلب، فقال : إنه كلب سباق مدرب على إحراز البطولات ، وقد حصل على عدة جوائز وأوسمة.!
وبسبب شهرته وسمعته كبطل رياضي ابتعته بنصف مليون دولار.!
ولما أردت أن أشركه في إحدى البطولات، رفض أن يركض في السباق، رغم كل محاولاتي معه وإغراءتي له. مما أصابني بالدهشة والحيرة. وعندما أعيتني الحيل في إقناعه، أدرت معه هذا الحوار ، وهو يسمعني وأنا أفهم الإجابة من عينيه وحركات جسده :
قلت له : لماذا ترفض المشاركة في السباق؟
هل قصرت في إطعامك وخدمتك وتحقيق رغباتك؟
قال : لا. أنت كريم معي، تقدم لي أشهى طعام وأفخر الثياب.
قلت :فما يمنعك من الركض في السباق؟
قال: لأنني الآن أشعر أنني أركض لغيرى وكأنني أركض خلف أرنب.!
بقلمي
الكاتب
محمود محمد زيتون