إدمان السلبية…. بقلم الكاتب شوق الدرويش … وكالة الراي العربي
نشرت بواسطة: YASMEN ALSHAM
في آخر الأخبار
18 فبراير، 2018
2,184 زيارة
السلام عليكم
((إدمان السلبية))
لم يحدث أنْ قَدَّمَ نبيٌ، أو عالمٌ، أو كاهنٌ، أو عارفٌ، أو حكيمٌ، أو مرجعٌ، أو أيَّ أحدٍ ذي عقلٍ وعلى مر التاريخ، وعداً للبشرية بأنْ تكون الأرض مكان سعادة مجهزاً وحاضراً لاستقبال الإنسان، كما ولم ينزل الله ذلك في كتاب من كتبه، أو رسالة من رسالاته، ولم يحدث على مرِّ التاريخ أن أكد أحدهم هذا الأمر كحقيقة راسخة، يتكِئ عليها أحد ويستند في اعتقاده، بل إنَّ الداعي للصلاح من المذكورين أعلاه، هو من ينصح الناس بمجموعة من الأمور التي تجعلهم سعداء فقط، أي إنَّ الأمرَ يتطلب جهداً وفعلاً، وإنَّ السعادة قرار وصناعة، لا شيئاً جاهزاً وحاضراً في الطبيعة، نقطف ثماره أنى شئنا، ونتلذذ بها دونما عناء. (كيف تكون مواطناً نموذجياً: مجموعة من الموروثات المتناقلة عبر الأجيال تعلمك كيفية التصرف كضحية لتنال القبول والاستحسان) هذا ما ننشأ عليه منذ نعومة أظفارنا، ونتطرف له متناسين مسؤوليتنا الفردية، وقدرتنا على التغيير بأنفسنا ابتداءً من دواخلنا، وربما لأننا نخاف من ذلك التغيير، خصوصاً وإنَّنا لم ندرب عليه كشيء لا بدَّ منه، إذ لم يخبرنا أحداً بأننا نستحق الحبَّ والمعاملةَ الحسنةِ بدون شروط، سواء ببذل ذلك الحب أو بأخذه، ولا بأنَّ الحياةَ تقدم لنا الدعم في كل الجوانب لو قررنا المضي فيها، ولا بأنَّ الكونَ مسخراَ لنا، ولم نعلم بأن التغيير سنة من سُنَنِ الحياةِ، فلا شيء أو شخص ثابت وكلها قابلة للاستبدال-بما في ذلك نحن- وتمثل مرحلة في أعمارنا، ولم يلقنّا أحد ثقافة التخلي على امتداد طريقنا ومشوارنا، وإنه لا ينافِ حقيقة حاجتنا للآخرين في حياتنا، ووجوب أن نمنحهم حقوقهم على قدرِّ ما يستحقون، وأنْ لا نحرم أنفسنا من السعادة معهم، وبذلك نأمن البذل المتطرف والأخذ الأناني!.
أنت مثلاً تستنزف مشاعرك وكرامتك حتى آخر ذرة في علاقة ما-بأنواعها- تنفق أحاسيسك باسطاً يدك كل البسط، مهملاً بذلك حقيقة وجوب أن تكون العلاقات صحية صحيحة، لتقعد بعد ذلك ملوماً محسوراً! ففي وسط يسعى إلى ملء البطون دون العقول والأرواح، يجرك إلى التعامل مع مشكلاتك مهما صغرت باللامبالاة والتجاهل؛ فهذه محافل التواصل الاجتماعي ملأت بصنوف السخرية من المشاعر، والمتاجرة بالعواطف، وتسخيف الحب والمحبة، وتسفيه الاحترام والاهتمام، والسلبية، وهذه الأغاني ملئا بصنوف الوعيد ونبرات الانتقام بين العشاق الخونة، والأصدقاء غير ذوي الوفاء، وهذا فناً -حتى الطربي منه- يدعوك إلى العويل والبكاء، صباح مساء -بداعٍ وبدون-، دونَ سببٍ واضحٍ، ولا يخفى عليكم ما لهؤلاء مِنْ تأثيرٍ كبيرٍ على حياةِ الأجيالِ، كونها في تماسٍ مباشرٍ معنا إلّا أنها مستثمرة بشكل هادم لا بنّاء. من الطبيعي إذاً أنْ ترى السلبية هي الثقافة السائدة، وإنَّ السعادة والإيجابية شيء شاذ ومستغرب، حتى بأبسط مظاهره، الابتسامة!، ولفرط ما نحن عليه من جهل وتواكل واتباع للموروث وقيوده، وإهمال لنبي الابتسامة والبشاشة ونبوءته حول أنهما صدقة، نسعى إلى تحويل كل لحظة فاصلة وحدث إلى طقس درامي مخلصين فيه التعبد، وكأنَّ من شيم الإنسان وفطرته ندب حظه والولولة على ما جرى له، وبينما يسعى الإنسان لإثبات جدارته عن طريق السير في أكثر الطرق وعورة نحو أهدافه، لكننا نستسهل الحزن لأنَّه لا يكلفنا عناء المواجهة، واقتحام المجهول الذي يدعى “تغيير” غير مدركين إنَّ ما ندفعه من ثمنِ إثقال كواهلنا بالسلبية والألم والعلل النفسية -إن لم تكن أمراضاً- أغلى بكثير. نعم ربما نكون محاطين بحقيقتين أو ثلاث من العقبات التي لا نملك لها تغييراً وزوالاً، لكننا نحيطها بهالةٍ من الصعاب الوهمية، ونصّر على رؤيتها بذلك التهويل، وكأنَّنا في فلمٍ يسعى واحدنا فيه إلى نيلِ إعجاب الجمهور، وثنائه بأفضل أداء درامي، متناسياً أن ذلك الإعجاب والثناء لن يؤدي به إلى شيء، فهو فلمٌ واحدُ سننتهي بمجرد انتهاءه ولنْ نحظَ بفرصةٍ جديدةِ مهما كنا بارعين.
في النهاية يجب أنْ تعلم وتؤمن إنَّ السعادةَ شيءٌ خاصٌ وفرديٌ، وإنَّها أمراً نسبياً لا يتعلق بالآخرين، فما يبهجك ويسبب لك الفرحة لا يفعل ذلك مع الآخرين بالضرورة، لذلك اختر أن تبحث عن مصدر سعادتك وايجابياتك وتنميها، شرط أن لا تضر أحداً، اختر الإسراع إلى أقرب صورة سوداوية، أقرب أغنية حزن، أو معزوفة رثاء وإقصائها بعيداً عن مرمى سمعك وبصرك، اختر إحاطة نفسك بالألوان، بالموسيقى العذبة، بالضحكات، بالأشخاص الإيجابيين، تفقـد داخـلك!-نعم، تفقد داخلك، وأعمر جوفك بمدينة مُضيئة، عالج تصدعات عقلك وقلبك، تخلص من نفايات ماضيك، واسلك سبل السلام، فمن الأسهل لو احتفظت بعلّةٍ واحدةٍ أو اثنتين تشغلانك بدلاً من حمل تلاً من الهموم على كاهلك، وحدثني فيما بعد عن شعور السعادة والرضا الذي ينمو فيـك ستقول: أخدع نفسي؟- نعم كما تخدعها بوهم الألم مستمتعاً ووفياً اختر خداعها بوهم السعادة والإيجابية.
شوق الدرويش /العراق
2018-02-18