الرئيسية » آخر الأخبار » اسراب الطيور…قصة قصيرة بقلم عبد الكريم الوصيف

اسراب الطيور…قصة قصيرة بقلم عبد الكريم الوصيف

قصة قصيرة
اسراب الطيور المهاجرة

جلس مع زميله قبل المغيب في مقهى المنتزه الجبلي المطل على البحر؛ يستمتعان بالمناظر الطبيعية الخلابة. لقد قدما من إحدى مدن الغرب الباردة اين جمعتهما زمالة التدريس وقررا معا ان يقضيا بعض الأوقات الممتعة من إجازة الصيف على شواطي البحر التونسية.. . جلسا ينتظران ما طلباه من النادل ويتبادلان أطراف الحديث في أجواء من الغبطة والمرح ويشاهدان مشهد غروب الشمس على لوحة من جمال الطبيعة .. وتوقف أحدهما عن الحديث فجأة واتجهت نظراته الي احد الأماكن الذي تجلس فيه فتاتان بمعزل عن البقية مستغرقتان في الحديث… أطال النظر والصمت وسرح خياله بعيدا عن حاضره وابحر عبر الزمن الماضي وقد تسمرت نظراته على إحدى الفتاتين..
انها هي بشعرها الأسود الفاحم المسدل على كتفيها وعينيها العريضتين ونظراتها الحالمة ووجهها القمحي العريض وابتسامتها الجذابة.. انها هي التي كانت تأتي كل يوم وكل صباح من ايام الدراسة في عهدالصبا الي المعهد بمحفظتها وزيها المدرسي.. تذكر مشيتها الرشيقة ووقوفهما معا في الساحة للحظات مع زملاىه او منفردين . إنها هي التي كان يضع لها ورقة في جيبها خفية خوفا من أعين الرقيب ويستلم أخرى…!
انها هي التي كان ينتظرها كل صباح في سجنه بالمعهد الثانوي أين كان مقيما يحمل رقما ولا يغادره الا ايام الراحة الأسبوعية او العطل المدرسية. لقد كانت سعادته رغم ياسه ورغم يقينه بأنه لا يزال صبيا لا يملك شيىا يمكنه من تحقيق اماله معها.. فاكتفي بتلك اللحظات في الساحة المدرسية والتى انتهت بمغادرة المعهد والمدينة والالتحاق بالجامعة. وافترقا وظن انه لن يراها بعد ذالك..
. لقد حاول أن ينسى حنينه إليها وحاول أن يتخلص من صورتها في ذاكرته مرارا ولكنه لم يفلح كان خيالها يعودفي كل مرة ويتجدد الجرح بسبب او بدون سبب.. وهاهي مرة أخرى أمامه بعد سنين عدة بعدما ظن انه الفراق والنسيان الابدي..
انتبه زميله الي صمته ونظراته وغيابه الذهني والتفت حيث يلتفت وساله:
_ما بك. هل تعرف الفتاتين؟
نعم ! اعرف واحدة فقط…!
وبدأ يقص عليه قصته وقبل ان ينهي حديثه توجه زميله إليهما بالحديث وبصوت عالي :
انت ياانستي! انظري هنا الا تعرفين زميلك هذا. انه لا يزال عاشقا !
لقد تصرف زميله الفرنسي على طريقة الفرنسيين وعاداتهم وكانت زميلتها التي تجلس معها بشعرها الغجري اسبانية أيضا..
ضحكت ولوحت بالتحية عن بعد ونهض الفرنسي وأسرع يستدعيهما للجلوس معهما . وجلست بجانبه وتساءل هل هو في حلم ام يقضة؟
لقاء لم يكن في الحسبان نسقته المقادير. .. وتجددت بعدها اللقاءات اليومية وتجدد الأمل والعهد بعيدا عن ساحة المعهد واكراهاتها..
جلس معها في نفس المكان في آخر الصيف حيث التقيا بعد سنين من الياس والحرمان وجلسا وحيدين هاته المرة وقرر ان يفاتحها بما في نفسه ويسالها عن رأيها في تتويج اللقاء برابطة الزواح واجابت وكانها تتكلم بعفوية كالعادة وتتغلب على مشاعرها
_لا أرى مانعا ولكني اظن ان الزواج سينهي جمال علاقتنا هذه.. فكر.اولا. اعتقد اني لا اصلح لذالك.. نظرتنا للزواج مختلفة…!
لم يجبها.. كان ينظر إلى سرب من الطيور المهاجرة يحلق عاليا في اتجاه الغرب يعترضه البحر بمساحته الشاسعة وظلمة الليل الداكنه. و هويفكر في هجرته القريبة مع نهاية الصيف نحو جنوب القارة والمحيط الهندي أين أنتدب للتدريس مع سرب من زملاىه .! سيركب الطاىرة قريبا ويحلق في الأجواء بعيدا عن وطنه هاته المرة مثل سرب الطيور الذي ضل يتامله في صمت حتى اختفى …
عبد الكريم الوثيق 4/12/2020

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.