مقال فني
الأغنية العربية وفقدان الانتماء
لا شك في أن الأغنية العربية هذه الأيام تعيش حالة فقدان الانتماء ، فهي لم تعد بين الأصالة والمعاصرة فحسب بل أصبحت بعيدة عن أصالتها التي عرفت بها على مدى القرن الماضي على يد عدد من الداعين الى الحداثة والتجديد على حساب كل ما هو أصيل وعريق في الغناء العربي على مر العصور
نكاد نحزن على حال الأغنية العربية وهي تلبس ثوبا موسيقيا غربيا ليس بثوبها الشرقي المتعارف عليه
ولعل ما فاقم الأمور وزادها تعقيدا إبتعاد الشعراء الحقيقيين وأصحاب المواهب الشعرية الأصيلة عن كتابة النص الغنائي الجيد البعيد عن الإسفاف والابتذال ، مما فتح الباب لكل حامل قلم ليصبح شاعرا غنائيا يملأ الفراغ بكلام قابل للتلحين والغناء ، لكنه يخلو من مقومات الشعر المطلوبة
بات لزاما علينا أن ندعو إلى إحياء أغانينا من جديد ، وذلك ببث الروح الشرقية في الموسيقى الغنائية العربية ولنا من التراث القومي والشعبي ما يكفي لتأصيل هذه الأغنية وتحريرها من الغزو الفني الأجنبي واستعادة دورها في الحياة الاجتماعية لتؤدي رسالتها الفنية في مضمار حركة المجتمع وتقدمه
لقد أصبحنا في أمسّ الحاجة إلى فنانين عرب يؤمنون بالدور الحضاري الذي يجب أن تضطلع به أمتنا فيغوصون في عمق وجداننا وتراثنا وبيئتنا ليخرجوا علينا بما نحب سماعه ومشاهدته لنغني معهم بجدارة ونطرب بحرارة مثل باقي شعوب الدنيا التي ترفض الذوبان بأمانيها وأغانيها في ثقافات الشعوب والأمم الأخرى
وحتى نقف على عتبة إحياء الأغنية العربية وإعادتها إلى جادة الصواب ، لا بد للنقد الفني الجاد والأصيل أن يأخذ دوره ونصيبه في فتح الباب لأغنية عربية بديلة تقنعنا قبل أن تطربنا ، فالمطلوب إعادة ترتيب البيت الغنائي العربي هذا البيت الذي أصبح في أمسّ الحاجة إلى الترميم والصيانة والترتيب الذي يعيد له رونقه وجماله
دعوتنا هذه لا تعني إدارة الظهر لما طرأ على حياتنا من تطور حضاري وتغيير وحداثة على كل صعيد فنتشبث بالماضي مطالبين بأن تبقى الأغنية العربية أسيرة له ورهينة عنده ، فهي ليست دعوة إلى الانغلاق أو اتخاذ ماضي الأغنية ملجأ للسلامة الفنية العامة وإنما هي دعوة صريحة لإصلاح شأن الأغنية العربية وإعادة هويتها الوطنية والقومية بالابتعاد بها عن التشويه والتغريب المتطفلة على فنون الأمم الأخرى
ان الجمع بين الأصالة والمعاصرة في طبيعة الأغنية العربية الحديثة ضرورة فنية وحاجة حضارية ماسة تحفظ لنا شخصيتنا وهويتنا ومكانتنا في عصر العولمة واختلاط الثقافات والفنون
لابد من المحافظة على الطابع الشرقي العربي لأغانينا ، ولا ننسى أن للأغنية تأثيرا كبيرا على مجتمعاتنا وبخاصة الأجيال العربية الجديدة المعرضة أكثر من غيرها لمد الحضارة الغربية الذي يحيط بنا من كل جانب
لدينا المواهب والطاقات والقدرات والكفاءات لإعادة الأغنية العربية إلى سابق ازدهارها وتألقها ولا ينقصنا في عالمنا العربي إلا قناعة واتفاق على إعادة النظر في الوضع الغنائي برمته من أجل الحفاظ على الهوية العربية للأغنية من جهة والارتقاء بها لحنا وكلمة وأداء من جهة ثانية حتى يعود لها مجدها الفني الذي صنعه الرواد من شعراء وموسيقيين ومُطربين كبار ما زلنا نعتد بهم ونستذكرُ جهودهم الفنية التي ارتقت بالمستوى الغنائي العربي كما ارتقت بمشاعرنا وأذواقنا وثقافتنا أيضا
لا بد من إستراتيجية فنية عربية ننطلق من خلال ما ترسمه لنا من رؤية وأهداف إلى آفاق جديدة لصناعة الأغنية بما يضيف لها من وهج وإبداع وبما ينتشلها من وضع هابط تعاني فيه من فقدان وزنها الفني حتى لو استدعى ذلك عقد ملتقى فني عربي للبحث في أزمة الغناء العربي وسبل الارتقاء بالأغنية العربية الحالية ، ودون ذلك ستبقى الأغنية العربية بلا هوية حضارية تميزها وبلا سمات فنية نابعة من بيئتنا وبعيدة عن قيمنا ومُثلنا وعاداتنا الاجتماعية ، بالوقت الذي يجب ان تكون معبّرة عن أفراحنا وأحزاننا وأحلامنا الخاصة بنا ومستشرفة لطموحنا نحو مستقبل عربي يكون أكثر إشراقا .
اهم المصادر التي تناولت الموضوع برؤية مشابهه :
الجزيرة نت
الكاتب علي البتيري
مجلة الموسيقى العربية