البربر أو الأمازيغ..
اشتهر في زمننا أن الأمازيغ هم سكان المغرب العربي .. أصلهم بربر ولغتهم الأمازيغية التي مازالوا متشبثين بها وبثقافتهم المتميزة والمتجذرة في أعماق الأزمنة والعصور ..
ويقول عثمان الكعاك عن أصلهم في كتابه البربر : ” ومعظم الباحثين يذهبون إلى أن البربر من أصل سامي أولي، أي: من أبناء سام بن نوح لا يافث بن نوح، فقد كانت الجزيرة العربية، موطن الساميين، مغشاة بالثلوج في شمالها، فكانت اليمن بلاد اليمن والخير، وهي مهد أبناء سام الأولين، مختلطين مع أولاد أعمامهم أبناء حام. فلما انحسرت الثلوج، اشتدت الحرارة، وقحلت البلاد، وتفرق سكانها، فانتقل الفرع السامي من البربر والنوبة والحبشة وقدماء المصريين إلى أفريقيا، واستوطنوها، فانفرد البربر بشمال أفريقيا، والحبشة بإفريقيا الشرقية، والسودان بأفريقيا الشرقية والوسطى. وهذا ما ذهب إليه العرب، وهو مشهور المذهب عند الأوروبيين اليوم، لاسيما علماء الألمان الذين هم نُزهاء في بحوثهم، ويتبعهم في ذلك الإيطاليون.”
وتقطن الأغلبية القصوى من الأمازيغ بشمال أفريقيا الذي أصبح موطنهم الأصلي .. ويؤكد التاريخ تعلقهم بأسسهم الثقافية والإنسانية والاجتماعية .. وكذا بنضالهم من أجل الحفاظ على السمو والتميز إلى عهدنا ..
وتأكيدا للأصل البيولوجي والانتربولوجي يترسخ في ذاكرة المجتمعات الإنسانية أن سكان المغرب الأقدمون ينتسبون إلى مازيغ بن كنعان ..
والأمـــازيغ هم مجموعة من الشعوب الأهلية تسكن المنطقة الممتدة من واحة سيوة شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا، وهي المنطقة التي كان يطلق عليها قديما اسم ليبيا ، كما جاء في تاريخ هيرودوت .. و هم قبائل كثيرة وشعوب جمة وطوائف متفرقة، وقد قسمهم بعض نسابة العرب إلى فرقتين : ” البرانس ” و “البتر “، وقالوا أن البرانس هم بنو برنس بن بربر، والبتر هم بنو مادغيش الأبتر بن بربر .. وبعضهم أرجعهم إلى سبعة أصول متفرقة وهي : إردواحة، ومصمودة، وأوربة، وعجيبة، وكتامة وصنهاجة، وأوريغة ..
وزاد بعضهم : لمطة، وهسكورة، وجزولة .. و اختلف المؤرخون العرب في أصل تسمية البربر، إلا أنه من الثابت اليوم أنها كلمة إغريقية أطلقها اليونانيون على من لا ينتمي لحضارتهم المميزة باللغة الإغريقية والدين اليوناني، لذلك نجد المؤرخ اليوناني هيرودوت، يطلق وصف البربر أو البرابرة على الفرس والمصريين القدماء على الرغم من أنهم أعظم شعوب زمانه ..
وأجزم ابن خلدون في تاريخ العبر م 6 ص 191، أن الأمازيغ كنعانيون تبربروا، أي أن البربر هم أحفاد مازيغ بن كنعان .. وفي هذا المقام يقول : ” والحق الذي لاينبغي التعويل على غيره في شأنهم؛ إنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح؛ كما تقدم في أنساب الخليقة. وأن اسم أبيهم مازيغ، وإخوتهم أركيش، وفلسطين إخوانهم بنو كسلوحيم بن مصرايم بن حام. ”
و كذلك أطلق الرومان لفظ البربر على كل من لا ينتمي لمنظومتهم الثقافية والحضارية الإغريقو-رومانية ..
ولعل بقاء الشمال الإفريقي خاضعا للنفوذ الروماني إلى غاية الفتح الإسلامي قد يفسر بقاء اسم البربر لصيقا بشعوب المنطقة .. و لا يفوتنا رصد معاني البربرة في لغة العرب، وهي الكلام المختلط النبرات الغير مفهوم، ويقال دلو بربار : لها في الماء بربرة أي صوت ..
يقول ابن خلدون : ” إن أفريقش بن قيس بن صيفي، من ملوك التبابعة، لما غزا المغرب وإفريقية، وقتل الملك جرجيس، وبنى المدن والأمصار، وباسمه زعموا سميت إفريقية، لما رأى هذا الجيل من الأعاجم، وسمع رطانتهم، ووعى اختلافها وتنوعها تعجب من ذلك، وقال ما أكثر بربرتكم، فسموا بالبربر، والبربرة بلسان العرب هي اختلاط الأصوات غير المفهومة. ومنه يقال بربر الأسد إذا زأر بأصوات غير مفهومة. ”
وكثير من البربر يسمون أنفسهم بـ ” الأمازيغ ” أو ” الإيمازيغن ” نسبة إلى جدهم مازيغ .. والإيمازيغن كلمة يرجّح أصلها إما إلى مفرد كلمة “أمازيغ” التي تعني الرجل الحر أو النبيل في لغة الطوارق الأمازيغية القديمة، أو إلى “مازيس” أو Mazices، وهي إحدى التسميات الرومانية للامازيغ ..
ويمتد تاريخ الأمازيغ إلى أكثر من 3000 سنة .. ويعود إحياء رأس السنة الأمازيغية يوم 13 يناير إلى سنة 950 قبل الميلاد .. وهي السنة التي استطاع فيها الملك الأمازيغي شيشونق الانتصار على ملك الفراعنة رامسيس الثالث .. وأسس في مصر الفرعونية أسرته 22 ..
وقد عبد الأمازيغ الشمس والقمر .. وتأثروا بالديانات المصرية القديمة واشتركوا معها في الإله آمون .. كما اعتنقوا المسيحية واليهودية قبل أن يعتنقوا الإسلام ..
ومن مشاهير الأمازيغ : ماسينيسا، ويوغورطا، ويوبا الثاني، وكسيلة، والكاهنة، وطارق بن زياد، ويوسف ابن تاشفين، ويعقوب المنصور الموحّدي،وعباس بن فرناس وابن بطوطة ومحمّد بن عبد الكريم الخطّابي، وزين الدين زيدان ..
وإنما تعرب الأمازيغ أو البربر في شمال أفريقيا لاتصالهم المباشر بالعرب النازحين من الشرق الذين توافدوا على المنطقة ناشرين الدين الإسلامي أو فارين من اضطهاد الأمويين في مرحلة أولى .. ثم فارين من العباسيين في المرحلة الثانية .. وبعد ذلك نشطت حركى الاستيطان خاصة بالأندلس والمغرب الأقصى الذي عرف كإمبراطورية اسلامية بالغرب الإسلامي تمتد جناحاه إلى ليبيا شرقا والمحيط الأطلسي غربا وحدود بلاد الأندلس شمالا إلى حدود بلاد السودان جنوبا وموريطانيا إلى نهر السينيغال ..
آمن الأمازيغ بالديانة الإسلامية وقاموا بنشرها .. لذا تعلموا العربية وعضوا عليها بالنواجد .. فهي لغة القرآن الكريم والسنة المحمدية الشريفة .. ولفهم الكتاب والسنة ونشر الاسلام على احسن وجه كان لابد من التعريب ..
ويمكننا أن نلمس مدى تشبث الأمازيغ بالإسلام والدفاع عنه في نص ماقاله ابن خلدون:
” وأما تخلقهم بالفضائل الإنسانية وتنافسهم في الخلال الحميدة وما جبلوا عليه من الخلق الكريم مرقاة الشرف والرفعة بين الأمم ومدعاة المدح والثناء من الخلق من عز الجوار وحماية النزيل ورعي الأذمة والوسائل والوفاء بالقول والعهد والصبر على المكاره والثبات في الشدائد. وحسن الملكة والإغضاء عن العيوب والتجافي عن الانتقام ورحمة المسكين وبر الكبير وتوقير أهل العلم وحمل الكل وكسب المعدوم. وقرى الضيف والإعانة على النوائب وعلو الهمة وإباية الضيم ومشاقة الدول ومقارعة الخطوب وغلاب الملك وبيع النفوس من الله في نصر دينه. فلهم في ذلك آثار نقلها الخلف عن السلف لو كانت مسطورة لحفظ منها ما يكون أسوة لمتبعيه من الأمم وحسبك ما اكتسبوه من حميدها واتصفوا به من شريفها أن قادتهم إلى مراقي العز وأوفت بهم على ثنايا الملك حتى علت على الأيدي أيديهم ومضت في الخلق بالقبض والبسط أحكامهم “
” وأما إقامتهم لمراسم الشريعة وأخذهم بأحكام الملة ونصرهم لدين الله، فقد نقل عنهم من اتخاذ المعلمين لأحكام دين الله لصبيانهم، والاستفتاء في فروض أعيانهم واقتفاء الأئمة للصلوات في بواديهم، وتدارس القرآن بين أحيائهم، وتحكيم حملة الفقه في نوازلهم وقضاياهم، وصياغتهم إلى أهل الخير والدين من أهل مصرهم التماساً في آثارهم وسوءاً للدعاء عن صالحيهم، وإغشائهم البحر لفضل المرابطة والجهاد وبيعهم النفوس من الله في سبيله وجهاد عدوه، مايدل على رسوخ إيمانهم وصحة معتقداتهم، ومتين ديانتهم “
هؤلاء هم الأمازيغ .. أهل حضارة هي من أقدم الحضارات في تاريخ الإنسانية التي استطاعت الصمود قلبا وقالبا .. لغة وفكرا .. لنعايشها عن قرب ..