التقليدالأعمى.. افلاس وخراب.!
حالات من اليأس والإحباط يعاني منها كثير من أبناء مدينتي نتيجة استثمار أموالهم ومدخراتهم في مشروعات تجارية .
بعضهم كان لهم فضل السبق في اختيار المشروع والمكان فكان النجاح حليفه وحقق ربحٱ لابأس به في البداية.. ثم فوجئ بإقامة نفس المشروع في نفس المنطقة من آخرين، حتى وصل عدد المحلات التي تمارس نفس النشاط إلى أربع محلات في
مساحة لا تزيد على مائة متر فكان الفشل للجميع، وضاعت الأموال، وأفلس ثلاثة منهم نتيجة التقليد الأهبل والأعمى.!
.. والبعض الآخر لم يفكر في استثمار ماله فيما يناسب قدراته وأفكاره واحتياجات منطقته ، فدفعه التقليد الأعمى إلى محاكاة غيره، دون دراسة فكان الفشل والخذلان حليفه وأفلس وهو الآن يمد يديه ؛ ليسدد بعض ما عليه من ديون.!
تلك مصيبتنا.. بعضنا تدفعه الغيرة، وقلة الحيلة إلى التقليد بلا تفكير .
وبعض الأ فراد
يفعلون ذلك دون أن يدركوا أن كلٱ ميسر لما خلق له.. ونسي كل مقلد أن ما يصلح لغيره قد لا يناسبه.. وأن ما لا يناسبه قد يلائم غيره.!
كل شخص يحمل في داخله مهارات وقدرات وظروفٱتختلف عن غيره..
ومن جميل الأدب العربي عن تقليد الآخرين دون دراسة وتفكير ، ما يحكى أن تاجرٱ كان يمتلك حمارين ، وفي أحد الأيام قرر التاجر أن يحمل على أحدهما ملحٱ ، وعلى الآخر قدورٱ وأطباقٱ.
انطلق الحماران بحمولتهما ، وقبل منتصف الطريق شعر الحمار حامل الملح بالتعب والإرهاق ، حيث كانت كمية الملح أثقل من القدور والصحون الفارغة ، بينما كان الحمار حامل القدور سعيدٱ ؛ لأن حمولته خفيفة… وفي أثناء السير رأى الحمار الذي يحمل الملح بركة ماء ، فقرر أن ينغمس فيها ؛ ليستعيد نشاطه وقواه التي خارت من وطأة الملح!
فلماخرج من البركة شعر كأنه بعث حيٱ من جديد ، فقد ذاب الملح المحمول على ظهره ومضى نشيطٱ كأن لم يمسسه تعب ولا نصب.!
ولما رأى الحمار حامل القدور والأطباق ما بصاحبه من نشاط قرر القفز في البركة ، لينال ما نال صاحبه من راحة ، فامتلأت القدور الفارغة بالماء وكسرت الأطباق ، ولما أراد الخروج من البركة كاد ظهره أن ينقسم من ثقل ما يحمل ، فغاصت قدماه فى الطين ، ولم يستطع القيام من جديد.!
لقد أصبح التقليد إفلاسٱ عقليٱ وداء اجتماعيٱ وبلاء على صاحبه وعلى الآخرين.!
وصار كثير من أهلنا مقلدين غيرهم غيرة وحسدٱ وقلة حيلة.
وكم يؤلمني أن حياتنا أصابها الجمود والجهل بالذات والقدرات ، وأن كل امرئ يستطيع أن يعمل أي شيء؛ لأنه يفهم في كل شىء . وكم كان شاعرنا العربي«حسام الدين جلول» حصيفٱ وحكيمٱ حين وصف هذه الحالة قائلٱ :
الكل في هذي الديار مدرس
والكل فيها شاعر وأديب
والكل إن شئت البناء مهندس
والكل إن شئت الدواء طبيب
ما عاد في هذي الديار تخصص
هذا لعمري مخجل ومعيب
لو كلنا علم الحدود لعقله
ما عاث فينا جاهل وكذوب
بقلمي
محمود محمد زيتون
كاتب وإعلامي مصري
الخامس من فبراير ٢٠٢٢