من إعداد الدكتورة أمينة رضوان
قاضية بالمحكمة المدنية بالدار البيضاء
الجزء الأول
مقدمة :
تعتبر الأسرة النواة الأولى لبناء صرح مجتمع مصغر تختزل أبعاد إنسانية واجتماعية واقتصادية وثقافية ،وتنشأ بترابط شرعي متمثل في الزواج بين رجل وامرأة على وجه الدوام، واستمرارها يتطلب من أفرادها العيش في ود واحترام وتماسك، وقيام كل عنصر من عناصرها بواجباته اتجاه أسرته ، إلا أنه في بعض الأحيان تنهار الأسرة بفعل طلاق أو وقوع وفاة أو غيرهما فيطالب كل شخص ساهم في نماء ثروتها بحق يوازي قدر مساهمته في هذا النماء.وهو ما يصطلح عليه بحق الكد والسعاية. ذلك ما سنحاول مقاربته من خلال تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين كالآتي:
*المبحث الأول: تعريف وتأصيل حق الكد والسعاية
*المبحث الثاني: دعوى حق الكد والسعاية.
المبحث الأول
تعريف وتأصيل حق الكد والسعاية
إن حق الكد والسعاية مصطلح يجب إبراز مدلوله اللغوي والاصطلاحي (مطلب أول) ثم التعرض لتأصيله الفقهي (مطلب ثاني).
المطلب الأول
تعريف حق الكد والسعاية
تتفق جميع التعاريف اللغوية في كون مصطلح الكد والسعاية يراد به بذل الجهد في التحصيل والإنتاج.
ويرد هذا الحق بمصطلحات أخرى كحق الشقا وحق الجرية أو الجراية وحريق اليد وتامّازالت.
ويقصد به في الاصطلاح الفقهي العمل والجهد والكد الذي يساهم به الساعي ايجابيا في تكوين رأسمال أو تنميته (1) وهو يختلف باختلاف العمل المنجز وباختلاف القائم به . وقد اشترط بعض الفقه لاستحقاق الساعي نصيبه من أموال السعاية أن يصرح أن سعيه وكده ليس على سبيل التطوع (2)
(1) محمد مومن – حق الكد والسعاية/ دراسة لحق المرأة في اقتسام الممتلكات المكتسبة خلال الزواج في ضوء بعض الأعراف المغربية- المطبعة والوراقة الوطنية – الطبعة الأولى – س 2006 – ص 19 .
(2)أنظر في هذا الصدد :
عيسى بن علي الحسني العلمي – التوازل /تحقيق المجلس العلمي بفاس -ط 1406 هـ/الموافق ل 1986 م – وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – مطبعة فضالة/ المحمدية – ج .الأول – ص 188 ومايليها.
المطلب الثاني
التأصيل الفقهي لحق الكد والسعاية
اختلفت الآراء الفقهية حول أصل وسند حق الكد والسعاية إلى ثلاثة أسانيد:
السند الأول: الأثر الوارد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
كان عامرا بن الحارث قصارا وامرأته حبيبة بنت زريق ترقم له الأثواب فجنيا من ذلك مالا كثيرا.ولما مات الزوج ولم يترك أولادا قامت زوجته وطالبت بسعايتها من مال زوجها. فلم يقبل ذلك الورثة فترافعوا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقضي بينها وبين زوجها شركة المال نصفين(1) .
وما قد يقال كنقد لاعتبار هذا الأثر سندا في المطالبة بحق الكد والسعاية هو أن حبيبة بنت زريق لم تطالب بحقها في سعايتها إلا بعد وفاة زوجها عامرا بن الحارث علما أن هذا الحق يمكن المطالبة به في كل وقت و حين.
ولقد .أصل لهذا الأثر فقهاء المالكية،جاء في أجوبة التونسي : “اتفق مالك وأصحابه أن كل امرأة ذات صنعة وسعاية مثل نسج وغزل ومحمل أنها كانت شريكة فيما بينها وبين زوجها”(2)
إلا أنه من غير المنطقي القول بأن فقهاء المالكية أصلوا لدعوى الكد والسعاية،باعتبارهم روّاد فقه الاحتياط وسد الذرائع،ومن تم فمنطقهم الفقهي يقضي
باستبعاد هذه الدعوى التي يمكن أن تكون سببا في ضياع الحقوق مقابل الأخذ في الأصل المتمثل في استقلال الذمة المالية للزوجين(3).
الرحماني عبد الله بن محمد الجشتيمي – شرح نظم أبي زيد عبد الرحمان بن عبد الله الجشتيمي- العمل السوسي في الميدان – ج .الأول – مكتبة المعرف بالرباط – س 1984 – ص 281.
-
أنظر مؤلف الحسن العبادي – فقه النوازل في سوس – كلية الشريعة أكادير – السنة 1999 – ص 111 =
السند الثاني: الاجتهاد الفقهي
جاء في نوازل العلمي :” … ونقل صاحب تقييد الرسالة عن الشيخ الفقيه أبي الفضل راشد أنه كان يقول :(يجب على نساء البربر الخدمة المعتادة عندهم لأنهم على تلك دخلن .لكن المشهور الذي به الفتوى عدم جبرهن على ذلك وأن لاشيء عليهن من غزل ونسج وغيره . فإذا فعلت شيئا من ذلك متطوعة به وطيبة عن النفس بذلك رشيدة قبل العمل وبعده ….وإن صرحت بالامتناع من الخدمة إلا على وجه الشركة …وأباح لها زوجها ذلك فلا إشكال في اشتراكهما (1))”
لكن هذا الاجتهاد لا يكفي باعتبار أن المبدأ في الإسلام هو استقلال الذمة المالية للزوجين ، وهو المقنن بنص المادة 49 من مدونة الأسرة.
السند الثالث: العرف
يرى جملة من الفقه المغربي أن حق الكد والسعاية مؤصل في العرف المحلي، فالمرأة الأمازيغية تلعب دورا كبيرا داخل أسرتها سواء في الأعمال المنزلية أو غيرها من حرث ودرس وغيرهما،لهذا استحقت أن تشارك زوجها في ثروته.
وهكذا يظهر لنا بجلاء صعوبة تحديد تأصيل مفهوم حق الكد والسعاية ،إلى الحد الذي جعل أستاذ محمد الكشبور (2) يقول : “إن هذه المصادر والأسباب التي تقول بشرعية حق الكد والسعاية يكمل بعضها البعض ويقويه ويعضده.
=(3) محمد كوجبي – دعوى الكد والسعاية بين الفقه الإسلامي والقانون المغربي – دراسة على ضوء العمل القضائي –رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص / شعبة القوانين الإجرائية المدنية – جامعة القاضي عياض/كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش –السنة الجامعية 2010/2011 – ص 16 .
-
الشيخ عيسى بن علي العلمي – كتاب النوازل – ج .الأول – ص 188 ومايليها .
-
محمد الكشبور – مفهوم وطبيعة حق الكد والسعاية/ قراءة في حكم إدارية الرباط – ع 1439 بتاريخ 15 ماي 1997 – مساهمة في كتابة الأنظمة العقارية بالمغرب – نشر مركز الدراسات القانونية المدنية و العقارية – المطبعة الوطنية –السنة 2003 – ص 34.
طرح قيم لإشكالية والكد والسعاية، والتي اختلف الفقه في مدى حق المرأة المطالبة به وإن كان منهم من يستثني المرأة الحضرية من ذلك ، إلا أنه أمر متجاوز لما أضحت المرأة تلعبه كدور في تنمية أموال الأسرة.
فقط كملاحظة هامشية يرجى تصحيح مفرد البربرية و تعويضه بالأمازيغية، لأن المفرد أعلاه يفيد معنى آخر يسيئ لها والمتمثل في الهمجية .
مع الثناء والتقدير.
تم التعديل كل الاحترام لك اختي
موضوع قيم جدا مشكورة أستاذتنا, سبق لي وأن اشتغلت على هذا الموضوع في جزيء من بحث إجازتي في شعبة القانون العام وتفاعلا مع مقالك, لدي بعض التساؤلات : ما مدا اعتراف القانون الوضعي المغربي بهذا المبدأ? كما يطرح إشكال الاثبات أمام القضاء ? أليس هناك تناقض صارخ بين حق الكد والسعاية والذمة المالية المستقلة للزوجين المنصوص عليها في مدونة الأسرة ?? وشكرا.
كما اسلفت المشاركة السابقة كيف يتم التوفيق في الاشكالية بين استقلال الذمة واشتراكها في الكد والسعاية ومن هنا اطلب من كل من لديه ما يفيد هذا الموضوع يزودني به فانا بصدد كتابة اطروحة بالخصوص