الظهر والمخرز …….بقلم الكاتب علي محمود الشافعي…..وكالة الراي العربي….
نشرت بواسطة: YASMEN ALSHAM
في آخر الأخبار
2 يناير، 2018
1,034 زيارة
الظهر والمخرز بقلم علي الشافعي
لكل شـيء إذا مـا تـم نقصـان فلا يغر بطيـب العيـش إنسـان
هي الأمـور كمـا شاهدتهـا دولٌ من سرَّهُ زمـنٌ ساءتـه أزمـانُ
أتذكرون ــ يا دام فضلكم ــ القصيدة التي منها البيتان السابقان ؟ من قالها والمناسبة التي قيلت فيها ؟ انها مرثية الشاعر الاندلسي ابي البقاء الرندي (601 هـ -684 هـ 1204 – 1285 م) في رثاء الاندلس , بعد ان رأى مدنها وقلاعها تتهاوى الواحدة بعد الأخرى في يد الفرنجة , وذلك بتامر ملوكها وعلى راسهم ابن الأحمر محمد بن يوسف الذي تنازل للإسبان عن عدد من القلاع والمدن إرضاء لهم وأملا في أن يبقى عرشه المتأرجح وغير المستقر في غرناطة , قالها ابو البقاء يستصرخ الامارات الافريقية لنجدتها قبل تهاوي بقية الحصون , وبالتالي ينتهي وجود الاسلام في الاندلس . وهذه القصيدة من اشهر القصائد في رثاء المدن الاسلامية التي فقدها المسلمون , اول قصيدة عربية في هذا الفن , لان الاندلس ــ ذلك الفردوس المفقود ــ اول بلد سقطت فيه دولة الاسلام . لعلنا نذكر في هذا الموقف تلك المرأة العظيمة ام (ابي عبد الله الصغير) ــ اخر ملوك الاندلس ــ عندما سلم غرناطة للفرنجة وخرج منها باكيا فقالت له :
ابك مثلَ النِّساءِ ملُكاً مُضاعاً لم تحافظ عليه مثلَ الرِّجالِ
اما الخسارة الثانية كانت سقوط ساحل بلاد الشام بيد الفرنجة , تماما كما حصل للأندلس , وذلك ابضا بفعل تامر وتخاذل وتناحر امرائها على السلطة , وتحالفاتهم مع الفرنجة , الى ان سقطت زهرة المدائن القدس الشريف في (23 من شعبان 492هـ/ 15 من يوليو 1099م) ، بعد حصار دام واحدًا وأربعين يومًا ، وحاميتها تصرخ ولا مجيب , استطاع الصليبيون اقتحام المدينة ، ولم يكن أمام الجنود والاهالي إلا الاحتماء بالحرم القدسي الشريف ، بعد أن قاوموا ما استطاعوا، فتبعهم الصليبيون داخل المسجد وذبحوهم بوحشية بالغة ذبح النعاج ، وأَسَالُوا بحرًا من الدماء , في يوم رهيب قدر عدد من ذبح في ساحة الاقصى 40 الفا حسب الروايات الغربية .
وكان سقوط القدس كان صاعقة كبرى أصابت العرب والمسلمين جميعًا ، كما أصابت الشعراء بالذهول ، فلم يستطيعوا التعبير عما في نفوسهم من حزن وألم ، أو كأنه كمم منهم الأفواه لأنه حدثٌ جللٌ ، لم يستطيعوا أن يوفّوه حقّه ، أو كأنهم لم يجدوا بين أولئك الحكام الضعفاء آنذاك واحدًا مِنَ الممكن أن تثير أشعارهم حميته ، ومع ذلك فثمة شعراء تحدثوا عن سقوط القدس بألم دامٍ وحزن كبير مثل أبي المظفر الأبيوردي الذي سجل هذه المأساة في قصيدة طويلة مطلعها:
مزجنا دماءً بالدموع السواجمِ فلمْ يبقَ منا عُرْضةٌ للمراحم
ومنها:
وَكَيفَ تَنامُ العَينُ مِلءَ جُفونِها عَلى هَفواتٍ أَيقَظَتْ كُلَّ نائِمِ
وإخوانُكم بِالشامِ يُضحي مَقيلُهُم ظُهورَ المَذاكي أَو بُطونَ القَشاعِمِ
يَسومهُمُ الرومُ الهَوانَ وَأَنتُمُ تَجُرّونَ ذَيلَ الخَفْضِ فِعْلَ المُسالِمِ
شهد التاريخ الاسلامي بعد ذلك سقوط عاصمة الخلافة العباسية ودرة تاجها بغداد سنة (656) على يد التتار , وما حصل فيها من خراب ودمار وقتل وحرق للحضارة والمكتبات , فتحرقت القلوب وضجت الحناجر , ورثاها الشعراء منهم ابن ابي اليسر الكوفي
لسائل الدمع عن بغداد أخبار فما وقوفك والأحباب قد ساروا
يا زائرين إلى الزوراء لا تفدوا فما بذاك الحمى والدار ديار
تاج الخلافة والربع الذي شرفت به المعالم قد عفاه إقفار
في 24 تموز عام 1920سقطت دمشق في يد الفرنسيين بعد معركة ميسلون رثاها احمد شوقي بقصيدته الشهيرة
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
لَحاها اللهُ أَنباءً تَوالَتْ عَلى سَمعِ الوَلِيِّ بِما يَشُقُّ
يُفَصِّلُها إِلى الدُنيا بَريدٌ وَيُجمِلُها إِلى الآفاقِ بَرقُ
وبدا الاستعمار على بلاد العرب باتفاقية (سايكس بيكو) المقيتة, وبدات العواصم والمدن والحواضر العربية تتساقط الواحدة تلو الأخرى , وتعددت المراثئ , ولكن الوجع الاكبر عندما سقطت مدينة القدس بيد الصهاينة اثر هزيمة عام 1967 . يومها غنت فيروز رائعتها من شعر والحان الاخوين رحباني :
لأجلك يا مدينة الصلاة اصلي
لاجلك يا بهية المساكن يا زهرة المدائن
يا قدس يا قدس يا قدس يا مدينة الصلاة
حين هوت مدينة القدس
تراجع الحبّ وفي قلوب الدنيا استوطنت الحرب
في التاسع من أبريل/نيسان عام 2003 تصدر مشهد ظل عالقا في الأذهان، لسقوط تمثال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد ، ورفع العلم الأمريكي على حطامه ايذانا بالسيطرة الكاملة على العاصمة العراقية بغداد , في مشهد يدمي القلب قبل العين نقلته كل وسائل الاعلام , وايضا بفضل مساعدة وتامر وخذلان ومباركة الزعماء العرب وخسرنا بغداد من جديد . يومها قال الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد :
وا ضيعة الأرض إن ظلت شوامخها تهوي ويعلو عليها الدون والسفل!
كانوا ثلاثين جيشا، حولهم مدد من معظم الأرض حتى الجار والأهل
يا صبر أيوب، ماذا أنت فاعله إن كان خصمك لا خوف، ولا خجل؟
وعندما احرقت حلب ( عاصمة بني حمدان) , حلب التي قارعت الروم وذادت عن حياض الاسلام 200 عام , عندما احرقت ودمرت عن بكرة ابيها كانت بمباركة العديد من زعماء الامة , وتآمرهم وخذلانهم , ومزقت ليبيا بمشاركة طيران الامة , وقصفت ودمرت صنعاء بطائرات الامة , وحوصرت غزة بمباركة العديد من زعماء الامة , وحوصر الشعب الفلسطيني بمباركة من يخافون ان تتزعزع الكراسي من تحتهم .
والان ــ ايها السادة الافاضل ــ يأخذ الرئيس الامريكي تراتمب الضوء الاخضر من عدد من زعماء الامة قرارة بتسليم مفاتيح بيت المقدس للصهاينة بمباركة عدد من زعماء الامة وعلمائها, وابواق اعلامها المشوه للحقائق والمنادي بان القدس هي عاصمة اسرائيل ولا وجود لدولة اسمها فلسطين .
وهذا يعني : ان سقوط الدول اما بتخاذل حكامها او تامرهم على شعوبهم وخيانتهم وانبطاحهم اما العدو . في إحدى معارك نابليون تقدم منه ضابط نمساوي وأعطاه معلومات أعانته على كسب المعركة التي كان يخوضها ضد النمسا ، ولما جاء يتقاضى الثمن ، رمى له بصرة من الذهب على الأرض ، فقال النمساوي: ولكني أريد أن أحظى بمصافحة الإمبراطور . فأجابه نابليون : هذا الذهب لأمثالك ، أما يدي فلا تصافح رجلا يخون بلاده .
اقول : نحن ابناء فلسطين من بناها ويبنيها , من دافع عنها وقف يصد الريح ويتلقى الطعنات من القريب قبل العدو , صامدا صابرا محتسبا بصدور عارية , وتعرض لأكبر هجمة تهجير قسري عرفتها البشرية . تحت سمع وبصر كل الاعراف والقوانين الاممية , نتعرض لكل الوان السب والشتم والقذف والاهانة وتحميل الجميل , لتبرير انبطاح الكثير للصهاينة , فاصبح هؤلاء يدلا من كونهم السند والظهر, اصبحوا المخرز الذي يدمي الظهر ويشق الفؤاد . اقول : لن نسلم ولن نستسلم لو بقيت عجوز واحدة . وسيكتشف العالم يوما ان اسرائيل دخلت العواصم العربية , لكنها تحاول ان تدخل القدس . طبتم وطابت اوقاتكم .
بقلم – علي محمود الشافعي
2018-01-02