الرئيسية » آخر الأخبار » الوسواس..قصة قصيرة بقلم لكاتب: أحمد سليمان أبكر

الوسواس..قصة قصيرة بقلم لكاتب: أحمد سليمان أبكر

قصة قصيرة:
***
الوسواس
سائرٌ في مكان خالٍ نحو ضاحيته بعد نهارٍ شاقٍ من العمل كحمّال في وسط المدينة،سمع صوتًا آتيًا من جانب الطريق،التفت فإذا برجل ضئيل الجسم،خفيف الظل، جالس على الحصباء، وقد ندهه باسمه، فوقف محتارًا، نظر إلى الرجل ثم قال في ذاته:
أحقّا ندهني هذا الرجل باسمي أم خيّل إلى ذلك؟
قال هذا وهمّ ليتابع السير فأوقفه الرجل بقوله:
نعم لقد ندهتك باسمك! وأنت تعرفني وأنا أعرفك.
قال في ذاته وقد اصفرّ وجهه، وارتعشت شفتاه: أظنه أحد المخبولين الذين يتيهون في البرية. ثم عاد فقال في نفسه:
إن منظره يخيفني، ونظراته توحي بشيء من المكر والخبث.
ومشي بضع خطوات، فصاح به الرجل ثانية قائلًا: يا هذا،اقترب مني اقترب ولا تخف، فنحن صديقين منذ زمن بعيد،أنت حمّال تعمل في سوق المدينة وأنا لست بلص ولا مخبول،اقترب وأجلس إلى جواري فأقول لك من أنا.
اقترب منه ونظر إليه متفرسًا فرأى وجهًا غريبًا يأتلف بين تقاطيعه الذكاء بالدهاء، والذمامة بالوسامة، فتراجع إلى الوراء وصرخ قائلًا: من أنت؟
قال الرجل:لا تخف يا صاحبي فنحن صديقين منذ عهد بعيد كما قلت لك.
قال:
ولكنّي لا أعرفك ولا أذكر أني رأيتك في حياتي.
فأجاب الرجل ساخرًا: بل أنت تعلم من أنا، فلقد لقيتني مرات الألوف وأنت تسمع صوتي في كل مكان،فأنا أقرب المخلوقات إليك،بل عزيزها عليك.
قال: حسنًا..مادمت كما تزعم..ما وراءك؟ وماذا تريد مني؟
قال الرجل: بل أنت الذي تريد،ألا تريد أن أكون سببًا لراحتك وسعادتك من حياة المذّلة والهوان التي تحياها، وأنك ستحقق كل ما تصبو إليه ما دمت عائشًا في ظلال كياني، ومتخذًا وجودي صناعةً لك واسمي دستورًا لأعمالك.
ثم مازال الرجل يتحدث إليه حتى جعله يسافر ببصره إلى بريق أنوار المدينة الأخّاذ، حيث الحياة الهانئة والعيش الرغد، والبطون المتخمة، حيث القلوب والعقول التي تسيّر معظمها الشهوات والمطامع فتتعامى عن الذين يفترشون الهمّ ويتوسدون الفاقة ويتدثرون البؤس.
أصغ إليه باهتمام شديد وهو يملي عليه قائمة طويلة من الملذات التي ظاهرها الخير وباطنها الشر،بل ويـــحثّه عــــلى فعل كل شر حتى خيّل إليه أن الخير مجرد وهم في رؤوس البشر لا غير.
لقد استغرق في نومه تلك الليلة،ولم توقظه إلا حرارة شعاع الشمس الذي نفذ إلى جوف الغرفة،فنهض مضطربًا قلقًا وهو يتعوّذ بالله من الوسواس الخنّاس.
***
بقلم الكاتب: أحمد سليمان أبكر

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.