الوفاء على الكريم فريضة !
مقال
علاقتنا بذكرياتنا متأرجحة. فأحيانٱ تمنحنا سعادة، وتملأ نفوسنا نشوة وإقبالٱ على الحياة وأحيانٱ أخرى تعيدنا للحدث القديم الأليم ، فنتجرعه أنينٱوحسرة وأسفٱ.!
ولا حيلة لنا في ذلك ، فإذا كنا نستدعي ذكرياتنا المبهجة ونسكب عليها من أضواء أرواحنا، ما يجعلها متجددة مبهرة للعين مؤنسة للفؤاد، فإننا نتمنى لو كانت ذكرياتنا المعتمة -بأحداثها وأشخاصها- أوراقٱ لنضرم النيران فيها ، وننثر رمادها في البوادي وفوق قمم الجبال.!
وفي تلافيف الذاكرة أحداث كالمصابيح ، وأناس كالقناديل يسكنون القلب بعطائهم ويغمرون النفس بوفائهم.!
هؤلاء هم الذين كانت محبتهم خالصة صادقة مبرأة من أثرة المصالح ، ونفاق المناصب.!
لم يقابلوا الإحسان بالجحود ولا المودة بالجفاء :
رأيت الحر يجتنب المخازي
ويحميه عن الغدر الوفاء
فالوفاء خلق عظيم، يدل على التمام والكمال ، وهو من كريم الشيم، ومن أقوى البراهين على طيب الأصل ، وفريضة على الكريم ، يرتقي به إلى أعلى مراتب الإنسانية :
إن الوفاء على الكريم فريضة
واللؤم مقرون بذي الإخلاف
وهو من صفات الله-جل علاه- فهو سبحانه وتعالى القائل :
« ومن أوفى بعهده من الله».٭
والوفاء من صفات المرسلين :
« وإبراهيم الذي وفي». ٭
« واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولٱ نبيٱ». ٭
وهو من صفات المؤمنين :
« وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولٱ» ٭
وقد عرف العرب الوفاء وقيمته منذ الجاهلية وقالوا إن الوفاء أخو الصدق والعدل، والغدر أخو الكذب والفجور، وكانت العرب تضرب ب (السموأل) المثل في الوفاء.
والناس بين الوفاء والغدر درجات ودركات ، فمنهم من يحفظ الود ويصون العهد ومنهم من ينسى ويغدر، وليس هناك أبلغ من وصف الإمام علي بن أبي طالب لهم :
لا تحزن على خل تفارقه
إذا لم يكن طبع الوفاء فيه
فمنهم كتاج الرأس حين تلبسه
ومنهم كقديم النعل ترميه
وقد عز فى هذا الزمان الوفاء.!
فمن الناس من لو ألقمته عسلٱ عض إصبعك، وهؤلاء لا خير يرتجى منهم، ولا عتاب يهديهم:
إذا ذهب الوفاء فقل سلام
على أهل المودة والوفاء
ولا تعتب على أبناء دهر
فلون الماء من لون الاناء.!
بقلمي: الكاتب
محمود محمد زيتون
………… هوامش…………………
(١)السموأل: هو السموأل بن الحارث الأزدي شاعر جاهلي عربي اشتهر بالوفاء،وهو الذي تنسب إليه قصة الوفاء مع( امرئ القيس) ومن أشهر شعره لاميته التي مطلعها :
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكل رداء يرتديه جميل
(٢) سورة التوبة
(٣) سورة مريم
(٤) سورة الإسراء