قصة قصيرة
امرأة بائسة
لملمت ثوبها وقد فقدت كل الأمل في استرجاع ما فقدته؛ تلك الفتاة عاشت حياة بائسة منذ فتحت عيناها على الدنيا، اليّتم والفقر والعوز وكل شيء يظهر أنه ضدها، غريب أمر الدنيا كم هي مؤلمة فواجعها؛ لا السند يقيها حر الموت البطيء على أرصفة الممرات المؤدية إليه، ولا النوم في العراء قضى حوائجه في الانتقام من زعزعات النفس المتذبذبة شظاياها في أعين البشر؛ هذا هو حال كل من تمردت عليه لعنات طواغيت الزمن المُرِ؛ كانون المناسي والمآسي قد جعل فجوة العبور على سطح القناديل المنطفئة في ليل مخيف قد جف زيتها؛ لتعلن بداية موسم كئيب من سنة جديدة لفتاة قد شابت أوردتها قبل أن تشيب خصلات شعرها، ما هذا أيها العابرون بجانب فرش مزين بأوراق الكرتون قد ابتلت حواشيها من قطرات مخرج الجدران الذي يعلو المركز، وتحته كفن تلك الفتاة الشبه العارية في شتاء يكاد الناس منه أن يكونوا كالصخور دون حراك ؟!!!.
هيهات هيهات لن يحل يوم جميل في حياتي؛ همهمات ذات الاسم المجهول في وسط لا يعرف الرحمة، اسم السعادة لم يكن مطابقا اطلاقا لنمط الحياة الذي تعيشه مريم؛ كل ما في الأمر أن الكل خذلها، الأخ الأكبر وزوجته المتفرعنة بسياط الجور المخلل بابتسامات النكران للعُرف الذي ينبذه المجتمع لكنه ساري المفعول عنده؛ قمة التضاد مجتمع ينبذ ويتقبل في نفس الوقت حب الرذيلة.
سارت بقدمين حافيتين ذات ليلة إذ تلتقي بشبان صُيَّعٍ لتكون ضحية التطرف الأخلاقي؛ بعد أشهر تكتشف أنها تحمل جنينا من خلال بطنها الممتلئة والحركات الغريبة التي تجوبه، ثم في إحدى الليالي الباردة يهزها المخاض جانب باب أحد المرائب وسط المدينة أين تلتقي بامرأة شعرها ملون كألوان قوس قزح تعرض عليها نقلها لأحد المشافي أين لها معارف؛ لكن بشرط قبول بيع الرّضيع واقتسام الحصّة مع الأم .
وافقت مريم على الأمر خشية أنها لا تستطيع تحمل مسؤولية ذاك المخلوق الصغير المغمض العينين، وتوجهت رفقة صاحبة العرض لتجد نفسها قد عقدت صفقة ربحت من خلالها كراء بيت صغير تتستر فيه بعد عناء عدة أشهر تحت الحر والمطر.
مجتمعات بائسة غير عادلة أين يرمي الأخ أخته من أجل زوجته لتكبر ابنته وتعلم أن المرأة التي قامت بمسك يدها يوما ما وهي تقطع الطريق هي نفسها عمتها لكنها لا تعلم بذلك.
نعم كبرت ابنة الأخ لتصبح محامية تدافع عن حقوق المرأة في حين أن والدها هو من هضم حق عمتها وكان سببا في تشردها وضياع مستقبلها؛ وكل هذا ارضاء لتلك الأم التي مذ عرفت أن ابنتها التحقت بالمدرسة وهي تعلمها ما معنى المبادئ والقيم والأخلاق، متناسية تماما أنها سبب تهميش امرأة أخرى من دم ولحم ابنتها؛ مفارقات عجيبة جدا.
في النهاية شابت مريم وأصبحت عجوزا لا تسمع ولا ترى لتلقى حتفها في حادث سيارة دهستها وهي تعبر الشارع بعدما باعت العديد من أولادها وهي شابة لعائلات ثرية لعل وعسى أن تحميهم من مكر ما عاشته.
وبقي المجتمع فاسدا لم يستطع أحد اصلاحه حتى المتعلمين والمثقفين والعلماء من أبناء جلدة ضحاياه.