————————رواية “انتقام جان”
–الفصل العاشروالأخير
تفرق الجمع على أكف ضراعة، رفعت إلى عنان السماء، وابتهالات ما انفكت شفاه تتمتمها، ولا من يفقه كنهها إلا من خلالها ردة اختزلت في: آمين…آمين…
باتت ليلتها هاته بسلام، ومن دون أن تعكر على أخيها صفو راحة ينشدها، ولم يهنأ بها طول يوم كامل قضاه تباعا جريا حتيتا وراء ضريح يكاد يكون بين أدغال نسيا منسيا، وطقوس ختما عايشها مكرها على مضض منه.
وكأن ذلك النوم الذي جفاها، وقض مضجعها لسنين طويلة، أبى في لحظة إلا أن يصالحها، يطاوعها ويجدد العهد مع ذاتها.
استحلى النوم ولم يستفق من غفوته إلا على نسائم فطور بلدي، فاح عبقه بأريج شاي منعنع وزيت زيتون ورغيف شعير مازال حره على خذه، عهد الى أخته بحمله بين راحتيها إلى حيت هو.
استبشر خيرا بطلعتها البهية، حيوية ونشاط كما عهدها من قبل؛ وكأن العمر عاد بها عشرين سنة إلى الوراء.
حزم أمره على الرحيل، استودع سدنة الضريح، وعلى عادتهم اعترافا بجميلهم دس بصندوق الضريح مبلغا من النقود. امتطى سيارته، أدار المحرك ولا من ردة فعل تذكر.
تفقد مستويات المحرك، وقود تبريد تشحيم…ولا من شيء يدعو للقلق؛ ليعيد الكرة ثانيا وثالثا…بدون جدوى ومن ثم خلص ومن ذات نفسه إلى أمر غريب خارج عن المألوف؛ وكأن المحرك يعانده، ويحجم عن الإقلاع، ولا من سبب وجيه اللهم تواجد الأخت على متن السيارة.
لم يستغرب اهل الضريح للأمر؛ تمة حالات من هذا القبيل حدثت أمام أم أعينهم، كانت فال خير عليهم، جدد الضريح من خلالها كينونته كمزار يؤمه الناس من كل حدب وصوب.
وقعت عليها العين، وجرى عليها المنع؛ فبات لزاما عليها ملازمة الضريح.
انهالت عليها التهاني، واحيطت بهالة من القوم؛ إيذانا ببركة حلت ومن بعيد على الضريح وأهل الضريح، لتنضاف وبامتياز وعلى الرحب والسعة مملوكة لمالك، وولية من أوليائه: تقرأ الطالع، تفك المعقود، تبريء المرضى وتكشف عن المستور…
وكأن الجان لا عهد له، خلف وعده ونكل عن يمينه، ولم يكفيه مجرد انتقام لثأر دفين ادعاه على عمها؛ ليتعداه إلى السخرة والسخرية.
حز في نفسه ان يعود أدراجه من دون أخت، جار عليها جان متمرد، لم يراعي فيها حرمة الطبيعة ونواميسها؛ ليلتبس بذاتها ويسلبها ارادتها.
طغا وتجبر، وباءت كل محاولة استئصال بالفشل الذريع. لم ينفع معه لا طبيب ولا فقيه؛ لتنقلب الطاولة على أي تحليل نفسي يدعيه صاحبه حقا وحقيقة.
عزت عليه أخته ولا حيلة له سوى الاستسلام ولا شيء غير الاستسلام؛ وكأن الاستيلاب واقع حال، شرارته سيان، يستوي فيه الانس والجان.
نسأل الله السلامة…
تأليف: أ. عبدالاله ماهل
الدارالبيضاء/ المغرب