وكالة الرأي العربي الإخبارية
للدكتور: حمدي المارد
ليس هناك حديث صحيح بصيغة “النساء ناقصات دين وعقل”
الذي دفعني لكتابة هذا المقال ما أشارت إليه بأدب واحترام إحدى الأخوات على صفحات التواصل الاجتماعي من أنه حديث . أقول بعد التوكل على الله: لم يرد عن الرسول صلى عليه وسلم حديث بالصيغة المتداولة بين الناس” النساء ناقصات دين وعقل”، ولكن ورد حديث صحيح بلفظ: ” مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ للُبِّي الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ ” متفق عليه. وهذه الصيغة فيها مدح للنساء، فهنَّ يلعبْنَ بعقل الرجل الذكيّ الحازم! فأيَّهما أذكى ؟! فهي ربّما سَبَتْ وسَلَبَتْ عقل الرجل، وليس أي رجل، بل الرجل الحازم الذي يستشيره قومه في الملمات، ويستأنسون برأيه إذا ادلهمّت الخطوب، فهنَّ كما قال الشاعر :
يَصْرَعْنَ ذا اللبّ حتى لا حراك به *** وهنّ أضعف خلق الله إنساىنا
ويتضح لنا أنَّ بين هذا الحديث والصيغة السابقة فرق كبير فالمرأة مع نقصها تغلب الرجل وهو لم يشر إلى هذا المعنى مفردا “النساء ناقصات دين وعقل” ولكن أشار إلى ما يقابله وهو أنّها تغلب الرجل، ولا يجوز أن يُطلق هذا اللفظ: ” النساء ناقصات عقل ودين” هكذا، لأن هذا القول مرتبط بخلفية المتكلّم الذي ينتقص النساء بهذا القول، ويتعالى عليهنّ بمقالته تلك. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :” إنما النساء شقائق الرجال”. ولذلك لا يجوز تزوير النصوص وبترها، أو تحميل النصّ ما لا يتحمل، لأنّ ذلك يؤدي إلى تحويل المعنى وتبديله، كقولنا في قول الله تعالى:(لا تقربوا الصلاة) ونصمت فيكون في ذلك نهي عن الصلاة بشكل مطلق إذا لم نذكر تتمة الآية ( وانتم سكارى).
وقال ابن أبي العزّ في شرح الطحاوية:” فيجب أن يفهم عن الرسول مراده من غير غلو ولا تقصير فلا يحمّل كلامه ما لا يحتمله، ولا يُقصر به عن مراده وما قصده من الهدى والبيان ، فكم حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله ، بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام ، وهو أصل كل خطأ في الفروع والأصول ، ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد ، والله المستعان” .
ونعود إلى تتمة الحديث: ” قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:” أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ” قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: “فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ” قُلْن: بَلَى، قَالَ: “فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا”.
فبيّن عليه الصلاة والسلام أن نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها وأن شهادتها تجبر بشهادة امرأة أخرى؛ وذلك لضبط الشهادة بسبب أنّها قد تنسى فتزيد، لأنها تغلب عليها العاطفة ورقّة الطبع. ونسيانها قد يكون نابعا ممّا تقوم به من تكميل ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ .. والرضاعة وتربية الأطفال، ولأنّها تقوم بأعباب المنزل كاملا ، ولأنّ عاطفتها أكثر من الرجل، وأكبر دليل على عاطفة الأم تحملها لمتاعب الحمل والولادة والسهر على رعاية طفلها، ولا يمكن لرجل أن يتحمل ما تتحمله الأمّ، ونحن جميعاً نشهد بذلك. فنحن نجد الأب عندما يقسو على الولد ليحمله على منهج تربوي معيّن فإن الأم تهرع لتمنعه بحكم طبيعتها، والإنسان يحتاج إلى الحنان والعاطفة من الأم، وإلى القوة والرجولة والعضلات من الأب … وهذا ليس نقصًا، وإنّما هو التكاملية المطلوبة لاستمرار الحياة إلى ما شاء الله تعالى. ونقصان العقل ليس نقصان في التفكير وإنما شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد في مسائل معينة معروفة، ولذلك تقبل شهادة امرأة واحدة في المسائل التي تتعلق بالنساء أكثر من الرجال، مثل: الرضاعة والحمل… وغيرها، وسبب ذلك يعود إلى التذكير كما قال تعالى:( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى). وكما أن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل فإنّ الرجل أحياناً يكون على أقلّ من النصف من شهادة المرأة، فقد تُردّ شهادته إذا كان فاسقاً أو كان مُتّهماً في دينه أو….
أمّا ناقصات دين فمعنى ذلك أنها تعفى من أشياء لا يعفى منها الرجل أبدًا، فالرجل لا يعفى من الصلاة، وهي تعفى منها في فترات شهرية، والرجل لا يعفى من الصيام بينما هي تعفى كذلك عدة أيام في الشهر، والرجل لا يعفى من الجهاد والجماعة وصلاة الجمعة، وبذلك فإن مطلوبات المرأة الدينية أقل من المطلوب من الرجل. و نقصان الدين ليس نقصان التدين فكثير من النساء أدين من الرجال والرسول فسرّ النقص في الدين هو نقصان التكليف وتخفيفه، فلا تصلي ولا تصوم إذا حاضت، وهو اجازة ربّانية في عدم الصلاة والصيام بأيام معينة يتمناها الرجل وهذا بالنسبة للمرأة يُعـدّ كمالاً ! ولا مشكلة فيه، لأنّ الصادق الأمين يقول:” إن الله يحبّ ان يؤخذ برخصه كما يحب ان تؤتى عزائمه”. كما أن هذا الأمر هو مكتوب من الله فلا اعتراض عليه، ونذكر قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة ــ رضي الله عنها – لما حاضت في طريقها للحجّ فعزّاها قائلاً: “هذا شيء كَتَبَه الله على بنات آدم” .وفي رواية:” هذا أمـرٌ كَتَبَه الله على بنات آدم” متفق عليه. فما حيلة المرأة في أمرٍ مكتوب عليها لا حول لها فيه ولا طول. وقد أُثبت العلم الحديث ما قاله ابن القيم : خروج دم الحيض من المرأة هو عين مصلحتها وكمالها، ولهذا يكون احتباسه لفساد في الطبيعة ونقص فيها .
الخلُاصة من هذا كلِّه أنّ المرأة لا تُعـاب بشيء لا يَـدَ لها فيه ، بل هو أمـرٌ مكتوب عليها وعلى بنات جنسها، أمـرٌ قد فُـرِغ منه ، وكما لا يُعاب الطويل بطوله ، ولا القصير بِقِصَرِه ، إذ أن كلّهم من خلق الله، ومسبّة الخِلقة من مَسَبَّة الخالق ، فلا يستطيع أحد أن يكون كما يريد إلا في الأشياء المكتسبة ، ولماذا يتم التركيز على هذا عند بعض الرجال وهم دائمّا ينعتون نسائهم وبناتهم وأخواتهم وو.. بذلك فهو حرام لا يجوز، ولماذا لا يتم التركيز على الآيات التي تشير إلى أنّ الأصل المساواة كما قال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ …) ولماذا لا يشار إلى النساء الكاملات أفضل نساء أهل الجنة، كما ورد في الأثر عنه صلى عليه وسلم: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون. وقد تكثر المرأة من الأعمال الصالحات فتربو على كثير من الرجال في عملها الصالح وفي تقواها لله عز وجل وفي منزلتها في الآخرة، وقد تكون لها عناية في بعض الأمور فتضبط ضبطا كثيرا أكثر من ضبط بعض الرجال في كثير من المسائل التي تعنى بها وتجتهد في حفظها وضبطها، فتكون مرجعا في التاريخ الإسلامي وفي العربية وفي الطب والهندسة وفي أمور كثيرة، وهذا واضح لمن تأمل أحوال النساء، وبهذا يعلم أن هذا النقص لا يمنع من الاعتماد عليها في ذلك، وهكذا في الشهادة إذ انجبرت بامرأة أخرى، ولا يمنع أيضا تقواها لله وكونها من خيرة عباد الله ومن خيرة إماء الله إذا استقامت في دينها وإن سقط عنها في حالات خاصة من صلاة أو صوم في الحيض والنفاس أداء لا قضاء، وإن سقطت عنها الصلاة أداء وقضاء، فإن هذا لا يلزم منه نقصها في كل شيء من جهة تقواها لله، ومن جهة قيامها بأمره، ومن جهة ضبطها لما تعتني به من الأمور، فهو نقص خاص في العقل والدين كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي للمؤمن أن يرميها بالنقص في كل شيء وضعف الدين في كل شيء، وإنما هو ضعف خاص بدينها، وضعف في عقلها فيما يتعلق بضبط الشهادة ونحو ذلك، فينبغي إيضاحها وحمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم على خير المحامل وأحسنها. وأذكّركم – أخيراً – بأن رقّة المرأة وأنوثتها ولُطفها وشفافية معدنها يُكسبها كمالا وجمالاً وأنوثة تزينها ولا تعيبها.
