ثمرة يتيمة
سبعة وعشرون عاماً، أربع روايات لم تنشر. هو عمره الاخير. أول رواية كتبها. كانت “إبداع البرتقال”, والثانية “ميراث الأرواح” والثالثة “تناسخ الأفكار”.. كانت رائعته الأخيرة “رغبة التفاح”.
دفن وحيداً.. في مدفن جديد لأسرته. بجواره شجرة برتقال جافة. لم تثمر من قبل..
في العام التالي. أثمرت الشجرة. ثمرة يتيمة.. نظراً ليتمها وظروف إثمارها. لم يتجرأ أحد على قطفها.. إلا أخوه الأصغر. وهو فى الثانية عشرة من ربيعا. تناولها في غفلة من الوعي والأهل, استطعمها. كانت برتقالة تفاحية المذاق.. كادت تفقده عقله.. فقد سرت لذتها فى كيانه, أثارت لديه شعيرات الإحساس. كأنها برتقالة النعيم. ولأنها وحيدة ويتيمة. متفردة بذاتها ومذاقها. حزن حزناً مريراً. لأنه لم يستغرق في التهامها وقتاً, تمنى أن يستلذ بها أبدياً. فقد سحرته البرتقالة التفاحية, في الأسابيع التالية لهذه الحادثة – حادثة أكل الثمرة اليتيمة – انتابته بعض التغيرات. كاد وجهه يطابق وجه أخيه صاحب الروايات. التي لم تنشر، اكتسبت بشرته اللون الأحمر البرتقالي, بدأت علامات بلوغه, نبتت أهداب لحيته، ازدادت وحدته التأملية.., منذ أكل ثمرة الفردوسية. وهو يشعر بتفتق خلايا ذهنه. كأنه ميلاد لشيء جديد. أو إبتعاث لشيء ما بداخله. يشعره بأن روح أخيه الأكبر تتلبسه..
انتظر عاماً. حتى أثمرت بأخرى. يتيمة أيضاً. راقبها يوماً بعد يوم. أكتمل نضجها. قطفها بطقوس أسطورية. نبعت من دهاليز عقله وقلبه وروحه. عاد لمنزله, أغلق باب غرفته, جلس يتأملها. مسحوراً بها, منجذباً للذة التي تنتظره. كانت أكثر نضجاً من سابقتها, أضيف إليها انتظاره وشوقه.. أستمتع بمذاقها. شرد فى غياهب إحساسه.. منتشياً بسعادة الخلود,.. من ثمرة الخلد العدنية. أمسك بقلم ليكتب حكايته, وصفها وصفاً دقيقاً بديعاً.. قصاً حقيقياً بمعنى الكلمة. كانت كلماته قوية حالمة.. كأنها سرداً مقدساً. أمتطى صهوة خياله, غازياً أنحاء النفس البشرية, ملتقطاً درها ونفيسها, أكمل سرده, ممتلكاً لناصية نصه، تجلت عبقرية قصه, ثارت الكلمات بمذاقها. فشذبها بسيفها, أعاد خلقها, انتهت روايته بسمو إبداعها, رهافة معناها, نقاء صورتها. لدرجه لا يمكن تخيلها. فسمت لعالميتها، لروعة وصفها. يشعر القارئ برائحة برتقالها وتفاحها. تزغزغ كيانه، تداعب شعيرات فكره وخياله. وأطلق عليها..
( رحيق الموتى )
انتهت ،،