جريح …….. قصة قصيرة …….. بقلم ……. محمد الخفاجي
نشرت بواسطة: nedal abo garbeh
في أدب الكتاب
13 مارس، 2017
1,318 زيارة
جريح.. قصة قصيرة
تسارع نبضه و أبطأت حركته وضاقت أنفاسه مع ثقل ما يغطي به
جسده وصدره، بزته العسكرية وعـــــتاده الشخصي وسلاحـه الذي
يقبض عليه بحزم في يده اليمنى.. يجرجر جسمه وهو لاهث تعِب
كي يقترب أكثر فأكثر من ساحة الحدث وساعة الصفر.
ما بين السحر والفجر بدأ بتلاوة آيات قرآنية يحفظها عن ظهر قلب.
ثم ردد أدعية متنوعة كانت ترددها والدته كلما عاد لها في إجازة.
رسم صورتها ما بين السماء والأرض، انشغل بمناجاتها على ألمه
وشدة معاناته، تتبعها وهي تعدُ له متاعه وترتب له ملابسه وتصفف
أغراضه، دموعها الصامتة كانت رصيد رضاها عنه كلما ودعته.
المسافة تقصر ونبضه يتسارع أكثر بعكس خطاه التي تبطيء أكثر
فأكثر.
كان وحيداً مختلياً بنفسه حريصاً على تخفيه، بعد أن استشهد جميع
رفاقه؛ وأردى بسلاحه جميع أعدائه.. المهمة التي بُعث من أجلها
تكاد تتم فقط لو حقق المبتغى، جراحه تكبله وتفرض عليه ما تريد
لولا أنه يتجاهلها ويسايرها ما بين الحين والحين.
ذلك اليوم الذي انضم فيه لحشد المقاتلين لن يمحى من ذاكرته كان
ضعيف البنية هزيل العضلات قصير القامة، سمع من يقهقه مـن
خلفه ومن أمامه لما عرض نفسه للالتحاق بجبهات القتال.. لم يعر
لذلك اهتماماً بل زاد من عزمه وإصراره.. اختطف سلاحا ًمـــن
أحد المقاتلين؛ سحب زر الأمان مِـــن ثم اختار أهــدافاً صغيرة و
بعيدة سدد عليها الطلقات بدقة متناهية ليصيبها الواحدة تلو الأخرى
رمى السلاح من يديه ثم توجه للمقهقهين كي يؤدي لهم التحية
العسكرية.
المهمات التي أرسل بها كانت مثار الفخر له ولرفاقه، تُحكى في
كل مكان وزمان مع مبالغة مطلوبة كي تحوز رضا من يتقن التلقي
والكسل أو يحب الغرابة والمغامرة معا ً.
وصل أخيراً إلى الهدف المنشود، رصدَ ودونَ في ذهنه وحاسته
السادسة كل ما يرجح منها، استخدم منظاره بصعوبة بالغة، قربه
إلى عينيه.. تحسس جهازه اللاسلكي سحبه من خصره المضمخ
بالجراح؛ عالجه ذات اليمين وذات الشمال، أخذ نفساً طويلاً.. ثم
أرسل كل المعلومات المطلوبة بصوت متقطع متشنج ما بين قوة
وإخفات.. انتهى.. كانت هذه كلمته الأخيرة عبر الجهاز اللاسلكي.
بعد الفجر بمدة ليست طويلة انطلقت زغاريد نسائية وتهاليل
رجالية تنبئ باستعادة هذه القطعة من الأرض الغالية من تراب
البلاد.
رتل عسكري تقدم بشكل مهيب وبخــطى رشيقة نحـــو جندي
عراقي ممدد على التراب يحتضن راية الوطـن وهو يمدها من
دماه.
جريح.. قصة قصيرة محمد الخفاجي 2017-03-13