الرئيسية » مقالات » حديث الجمعة…مقال بقلم علي الشافعي

حديث الجمعة…مقال بقلم علي الشافعي

حديث الجمعة بقلم علي الشافعي
حتى انت يا بروتس مقالة
حتى أنت يا بروتس؟ عبارة ــ ايها السادة الافاضل ــ درجت على السنة الناس حتى اصبحت كالمثل يقولها كل من تأتيه الطعنة من مأمن من حيث لا يحتسب , او من يثق بأحد فيغدر به , او يقف في صف اعدائه . ما عن اصل هذه العبارة ؟ ومن هو قائلها ؟ ولمن قيلت ؟ والمناسبة التي قيلت فيها ؟ ولمن يرجع الفضل في احيائها ؟ ولمً خطرت على بالي هذه الايام ؟ وما العلاقة ؟ ساشرحها وامري الى الله بعد ان تفوضوا امركم اليه وتصلو على نبيه :
Et tu, Brute ؟ هي عبارة لاتينية تعني “حتى أنت يا بروتس؟” يرجع الفضل في احيائها للشاعر الانجليزي الشهير وليم شكسبير في مسرحيته الشهيرة ( يوليوس قيصر) على لسان الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر لصديقه الحميم بروتوس في لحظة اغتيال القيصر من قبل مجلس الشيوخ ووصول طعنة بروتس الى صدره , نظر اليه وهو في الرمق الاخير وقال : حتى انت يا بروتس ؟ ثم اسلم الروح .
تذكر المصادر التاريخية انه في 15 اذار ( مارس) سنة ( 44 ق.م.) وبعد عودته من انتصاراته على اعداء الإمبراطورية هوجم يوليوس قيصر من قبل مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الروماني ، بما في ذلك بروتس الذي كان صديق قيصر . قاوم قيصر مهاجميه في البداية، ولكن عندما رأى بروس يطعنه قال تلك العبارة ثم امتنع عن كل مقاومة ، وغطى وجهه ورأسه بثوبه ، واستسلم للضربات . فأصبحت العبارة تستخدم للدلالة على خيانة غير متوقعة من قبل صديق عزيز .
وللأمانة فتاريخنا لم يخلُ حادثة مشابهة لحادثة يوليوس قيصر, وبنفس الاحداث تقريبا مع اختلاف الزمن , قائد منتصر رد الغزاة وحرر البلاد يتامر عليه اعز اصدقائه ورفيق دربه مع قواد جيشه , ولكن لكنه لم تجد شكسبيرا عربيا يروي لنا اخر عبارة تفظ بها هذا القائد وهو ينظر الى عين الخيانة متمثلة في اقرب المقربين اليه : حتى انت يا(…) ويخلدها في ملحمة شعرية , كيف ؟ صلوا على النبي :
كلنا قرا سيرة القائد المظفر قطز( صاحب معركة عين جالوت الشهيرة التي طردت التتار وبواقي الصليبيين من بلاد الشام ) مع ان الصيت عند العامة للظاهر بيبرس لأنه وجد من يكتب سيرته بشكل ملحمي , فشاعت على السنة الحكواتية في المقاهي , ففي بلاد بني عرب تسود عادة شريعة وسيرة ونهج القاتل , فالتاريخ لا يكتبه الا المنتصرون , وتندثر عادة سير المغدورين .
كان بيبرس قائدا في جيش قطز ومقربا لديه , وفي يوم الرابع والعشرين من شهر تشرين الأول لعام 1260م كان القائد المجاهد المظفّر سيف الدّين قطز في طريق العودة الى مصر المعمورة بعد انتصاره العظيم في معركة عين جالوت ، ودحر التتار والصليبين , أعدّت مصر بسببه احتفالاً مهيبا يليق به ، فجهّزت وعُلّقت الزينة تماما كما جهز الرومان لاستقبال امبراطورهم المنتصر يوليوس ، انتظر الشعب عودة الملك المظفّر بحفاوةٍ كبيرةٍ ، ولكنه بقي في بلدة القصير على ساحل البحر الاحمر , تخلف مع بعض امراء الجند الاستراحة والصيد , ضرب القائد فسطاطه ليستريح , استأذن الأمير ركن الدين بيبرس وجماعة الامراء , وكان قد اتفق معهم على قتله , فتشفع عنده في شيء فشفّعه فقال بيبرس ناولني يدك لأقبلها ايها الامير , فناوله اليد اليمنى والتي في العادة تقبض على السيف فامسكها بيبرس وأقدم الباقون بالسيوف فهبروه حتى مات ، وهكذا تعاون الظاهر بيبرس وأمراؤه على قتل أميرهم قطز , ترى ماذا كانت اخر كلمة قالها قطز وهو ينظر في عين اعز اصدقائه وقد خانه ؟
اما ما ذكرني ــ ايها الافاضل بهذا المثل ــ فهو ما نراه هذه الايام من تهافت اهلنا واخواننا من بني عرب على التطبيع مع محتلينا دونما ثمن او وعد بإعادة الاراضي المحتلة الى اصحابها , وبذلك ضاعت لاءات الخرطوم المشهورة طيبة الذكر : ( لا صلح , لا اعتراف , ولا تفاوض ) , وذهبت ادراج الرياح .
والامرّ من ذلك التطبيل والتزمير لمن يسبق اخوته في هذا القطار , وكيل والشتائم لكل من انتقدوا سياسة التطبيع تلك من بعض الاعلاميين الذين هم في الاصل لنا وليس علينا , ومنهم يصف الفلسطينيين بالإرهابين ويتمنى على النتن ان يضرب اعناقهم جميعا فاليهود ــ في رايهم ــ هم اصحاب الارض والفلسطينيون اغراب وشتات , ومنهم من يتصدى للمرابطين والمرابطات في الاقصى ان تعرضوا لبعض المطبعين الذين قد يزورون الحرم بين الفينة والأخرى ويصفهم باقذع الصفات .
اقول ايها السادة : الطعنة عندما تأتيك من اقرب الناس لك , ممن إدخرتهم لوقت عازتك ولحماية ظهرك تكون اشد ايلاما من طعنة العدو . يذكرني ذلك بقول الشاعر ابن الرومي :
إخوان اتخذتهم دروعا * فكانوها و لكن للأعــــادي
و خلتهمُ سهاما صائبـات * فكانوها و لكن في فــــؤادي
و قالوا قد صفت منا قلـوب * لقد صدقوا و لكن عــن ودادي
و قالوا قد سعينا كل مسعى * لقد صدقوا و لكن في فســادي
طابت اوقاتكم

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.