من المعروف أنّ بعض الناس يتمتعون بقوة جسمانية تتمثل بسلامة الأعضاء ومتانة البناء أكثر من سواهم، وبالتالي فإنّهم إذا أرادوا أن ينقلوا أشياء ضخمة، استطاعوا ذلك دون عناء كبير… فهم أبطال رباعون نالوا إعجاب العالم وأصبحوا محط أنظار الناس، مثلما احتلوا العناوين البارزة في الصحافة وأجهزة الإعلام المختلفة. لكن ما نريد أن نؤكده، بالدليل الملموس، والمعلومة الموثقة، أن هؤلاء الأبطال الميامين ليسوا شيئاً بجانب “أبطال الحشرات”… وهاكم شواهد لا يرقى إليها الشك:
– العنكبوت: حشرة لا نأبه لها ولا نهتم بها – تقوى على رفع ثقل يزيد عن وزنها بمقدار 900 مرة.. ولو أن رجلاً أراد أن يحاكيها ويجاريها ويتحداها، يتوجب عليه أن يرفع ثقلاً وزنه 70 طناً… وهذا محال.
– النحلة: نذكرها بالنشاط والنظام والتدبير وما تصنعه من العسل الشاقي للناس. وما دام حديثنا عن حمل الأثقال، فإنّه من الغرابة بمكان القول لو كلفنا إنساناً لمجاراتها في ذلك، لاستلزم منه أن تكون له قوة قاطرة تجر وراءها عدة عربات.
– النملة: وهي الحشرة التي يعرف عنها المثابرة والصبر والتدبير… لكن ما لا يعرفه الكثير عنها أنها تستطيع أن تحمل بين فكيها طعاماً أثقل من وزنها بحوالي 50 مرة. ولنفترض أن إنساناً وزنه 80 كغم، عندئذ يتوجب عليه أن يرفع بين فكيه حملاً يصل إلى 4000 كغم حتى يكسب الرهان مع نملة.. وهو لن يكسب أبداً حتى لو استعان بذراعيه وساقيه، تأسيساً على أنّ الرقم القياسي العالمي أصغر من ذلك بكثير “حوالي 212 كغم”، وقد رفعه الرباع الأولمبي بول أندرسون عام 1957.
– حشرة “أبو مقص”: وهي تشبه في شكلها حشرة “فرس النبي”، إلا أنّها أصغر منها قليلاً.. ويعرف عنها أنها ذات لون بني غامق وأن نشاطها وحيويتها وحركتها لا تشاهد إلا ليلاً. لكن القلة القليلة منا فقط تعلم علم اليقين أنّ هذه الحشرات المتناهية الصغر نسبياً هي من الحشرات الجبارة التي تحرك على الأرض ثقلاً يزيد عن وزنها مئات المرات، وأنّه لو امتلك الإنسان قوتها لاستطاع أن يرفع ستة وثلاثين طناً.
– البرغوث: وهو الحشرة التي كثيراً ما تضرب الأمثال بصغر حجمها وتفاهتها، لكن أكثرنا لا يعلم أنّ البرغوث يستطيع أن يقفز 25,4 متراً في حين أنّ الرقم القياسي للقفز الطويل المسجل باسم الإنسان عالمياً هو 7.73 متراً ولو كان البرغوث في حجم الإنسان السوي لاستطاع أن يقفز مسافة لا تقل عن 221 متراً.
وهكذا نرى أن أقوى الناس جسماً، وأشدهم قدرة على حمل الأثقال، عاجز واهن القوى إذا حاول محاكاة قوة تلك الحشرات. ولو انتقلنا من القوة الجسمانية إلى قوة الحواس، فإننا سندهش كثيراً عندما نكتشف بأنّ الإنسان أشد ضعفاً وأوضح عجزاً، فربما لا يرى ذرة صغيرة من الطعام عند قدمه، وتراها طيور كثيرة من ارتفاعات شاهقة تتجاوز عشرات أو مئات الأمتار. وترى بعض الحشرات، بطريقة مدهشة نوعاً من الأشعة لا يراها الإنسان إلا بأجهزة الرؤية الخاصة، ذلك أن لبعض تلك الحشرات، كما النحلة، مقدرة بصرية خارقة تتجاوز مقدرة الإبصار لدى الإنسان بأضعاف مضاعفة. أما الأبصار لدى العنكبوت فإنّه لا يتميز بتفوقه المذهل على الإنسان حسب، بل عن سائر الحشرات والحيوانات الأخرى، ذلك أن أكثر أنواعه ثمانية عيون تنظم عملية الإبصار بطريقة مدهشة تدعو إلى الدهشة.
وفي السياق نفسه، فإننا لو أجرينا عملية استقصاء دقيقة بين الإنسان والذبابة في مجال السرعة وقطع المسافات الطويلة، لبان عجز الإنسان وانكشف تقصيره. ذلك أن أقصى سرعة حققها الإنسان “سجلت أثناء سباق 100 متر” هي 43.5 كيلومتر/ ساعة، فيما يستطيع بعض أنواع الذباب الطنّان أن يطير بسرعة 56 كيلومتراً في الساعة. ولكن مع كل الموازنات والاستقصاءات والتحديات، لا يزال الإنسان سيد الخلائق، وأقوى الحيوانات، وأكثرها حكمة وقدرة على التدبر والتحكم والسيطرة، لأنّ الله سبحانه وتعالى خصه بالعقل الراجح الذي كرمه به، ومنحه التفكير السليم.