قصة قصيرة جدا بعنوان: ”الصُّدْفَة لا تساوي صِفْرا” (!!)
الرأي العربي .. د. أسامة عكنان – الأردن
التقيا صدفةً، وكانت الصُّدفة قَدَرا مختلفا عن كلِّ الأقدار (!!)
أُعْجِبَت به وأُعْجِبَ بها، ثم استلطفته واستلطفها، وانسجمت معه وانسجم معها، ولم يكن بُداًّ نتيجةً لذلك من أن تُحبَّه ويُحبَّها، ثمَّ بدءا يفكران في الخطوة التالية (!!)
لكنَّ قرار الزواج لم يكن سهلا لسبَبٍ غاية في الغرابة، ليس لأنه فقير جدا حدَّ “الإدقاع”، ولا لأنها ثرية أكثر من جدا وحدَّ “البذخ والإسراف”، بل لأن كلاًّ منهما مرتبطٌ في زواجه بوصيةٍ لا يستطيع الفكاكَ منها، بعد أن التزمَ بالوفاء بها لشخصٍ غالٍ عليه ومحبَّبٍ إلى قلبه لا يستطيع التنكُّر لوصيته (!!)
فهو قد التزم أمام أمِّه وهي تحتضر بأن لا يتزوج إلا امرأةً تستطيع أن تَحْيَى بعشرة دنانير في الشهر إذا فُرِضَ عليها ذلك، وأن عليه قبل الارتباط بمن أحبَّها أن يعطيَها هذا المبلغ الضئيل، ويحجزَها في بيتٍ لا تغادره إلا لشراء حاجاتِها من الدنانير العشرة، ليلقاها بعد مرور الشهر، ويتأكد من أنها عاشت بهذا المبلغ التافه الضئيل، وتكيَّفَت مع ظرفٍ كهذا، وأنها لم تفشل في الاختبار، وأنها تصلح من ثمَّ زوجة لفقيرٍ بالكاد يستطيع تأمينَ لقمة الخبز الجاف (!!)
أما هي فقد التزمت أمام أبيها وهو في النزع الأخير بما أوصاها به كي تحافظ على الثروة الضخمة التي تركها لها وتُرْبيها بدل أن تضيعَها (!!)
وقد كانت وصيته أن لا تتزوج إلا الرجل الذي يستطيع جعلَ المائة دينار عشرة آلاف دينار في شهر واحد، وأنَّ عليها قبل الارتباط بمن أحبته أن تعطيَه هذا المبلغ الضئيل “المائة دينار” وتغيبَ عنه شهرا وتنظرَ بعد انقضائه إن كان قد تمكَّن من جمع عشرة آلاف دينار باستثمار الدنانير المائة أم أنه لم يستطع، وبأيِّ شكلٍ من أشكال الاستثمار، لا يهم، كي تحكمَ بناء على ذلك إن كان يستحق الزواجَ من امرأة بالغة الثراء، يحفظ لها ثروتَها ويربيها بدل أن يبدِّدَها ويفنيها (!!)
وعندما فاتح كلٌّ منهما الآخرَ في أمرِ الوصية التي كان عليه أن يلتزمَ بها وفاءً لروح الراحل الغالي، ما كان منهما إلا أن قبلا الاختبار (!!)
فتمسُّكُه بها جعله يقبل على مَضَضِ اليائس، امتحانَ هذا الاستثمار الخيالي المستحيل (!!)
وتمسُّكُها به جعلها تقبل بلا تردُّد تجربة هذه المجاعة المريرة لمدة شهر (!!)
وبدآ الامتحان، وغابا أحدُهما عن الآخر لينجزَ له مَهْرَه الذي طلبَه (!!)
وعندما التقيا بعد انقضاء الشهر، كان أغرب ما في الأمر هو أن كلَّ واحد منهما قد أنجز فعلا طلبَ شريكه (!!)
فهو تمكَّن من جمع العشرة آلاف دينار في استثماراتٍ عجيبة مارس خلالها الرقص على الحبل مثلَ بهلوان، لأجل حبيبته التي يَرْخَصُ لها الغالي والنفيس، وتهون كلُّ معاناة (!!)
وهي قبلت بفقدانِ نصف وزنها في ما يشبه الإضراب عن الطعام، كي تتكيَّفَ مع إنفاقٍ عليه ألا يتجاوز العشرة دنانير في الشهر، حرصا على ألا تضيَّع الرجل المكافح المثابر الصابر الذي أحبَّته (!!)
أقبل عليها فَرِحا بإنجازه، غيرَ مُهْتَمٍّ إن كانت قد أنجزت له شرطَه أم لا، بل متمنيا ألا تكون قد أنجزته، كي يضمنَ ألا تكون قد تكيَّفَت مع الفقر والجوع فقرَّرَت التخلي عن ثروتها أو التبرُّعَ بها، فيُحرمان من الحياة المرفَّهَة، بعد أن اكتشفَ هو سِرَّ الثراء السريع والسهل، ومذاقَ الرفاهية ولذَّة الغنى (!!)
أما هي فقد أقبلت عليه متوجِّسَة قلقة، خائفة ليس من ألاَّ يكون قد أنجزَ شرطَها، بل من أن يكون قد أنجزَه فعلا، بعد أن كشف لها جوعها سِرَّ الأسرار كلِّها (!!)
وعندما اطَّلَع كلٌّ منهما على إنجاز الآخر:
رفضت أن تتزوجَه (!!)
فهي قد اكتشفت في شهرِ المجاعة الذي مرَّت به ذاك، كيف كان والدُها قد جمعَ ثروتَه (!!)