رصاص الأفراح يقتل أفراحنا
الرأي العربي .. د. محمد ابو صقري ـ الأردن
في حادثة مأساوية، تُدمي القلوب وُتبكي العيون، قتل شقيق
شقيقه خطأ عندما أطلق الرصاص ابتهاجا بتخرجه من الجامعة،
فتحول الفرح إلى مأتم في رمشة عين، وحلَّ النواح والعويل
محل الزغاريد وأغاني الفرح.
كان الله في عون هذه الأسرة، ومئات الأسر التي فُجعت بفقد
أحبائها في ظروف مشابهة، ذهبوا جميعا ضحية لرصاصات مجنونة
تنطلق في لحظة طيش ورعونة، يغيب فيها العقل، وتسود فيها لغة
الرصاص، ولا شيء غير الرصاص، وكأن زغاريد النسوة ما عادت تزيِّن
أفراحنا وتُشنف آذاننا، وكأن الأهازيج والأغاني والرقصات الجميلة التي
طالما أضاءت ليالي أفراحنا لم تعد تفرحنا كما يُفرحنا جنون الرصاص.
الرصاص سيد الموقف الآن، فبغيره لا تتم الأفراح، وبغيره لا يكون الفرح فرحاً.
هذه ليست الحادثة الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، فقد ذرفنا
الدموع مدرارا بعد كل حبيب قدم حياته قربانا على مذبح الرصاص،
وما أن نستفيق من فاجعة، حتى تحل بنا فاجعة أخرى، والحبل على الجرار،
ولا ندري متى وكيف سينتهي هذا المسلسل التراجيدي الطويل الذي
أدمى قلوبنا، وأدمع عيوننا، وترك فينا جرحاً غائراً وحزناً لا تمحوه الأيام
ولا السنون.
ألا يدرك مُطلق الرصاص أن الرصاصات التي يطلقها إلى عنان السماء
ستعود حتماً إلى الأرض وبنفس السرعة التي انطلقت فيها؟ ألا يعلم
بأن السلاح الذي يتباهى به في ساحة الأعراس والمناسبات السعيدة
الأخرى قد يسقط من يده فيقتل كل من حوله، إلا من كتب الله له أن
يعيش ليبكي الذين ذهبوا؟ ألا يعلم، حتى وإن سلمت الجرة، بأنه يزرع
الرعب والقلق في قلوب الأطفال والنساء والشيوخ وغيرهم من الناس؟
ما من شك أنه يدرك ذلك، لكنه الاستهتار بأرواح الناس وأمنهم وسلامتهم،
من جهة، وليونة الإجراءات الحكومية في التعامل مع هذه الظاهرة، من جهة أخرى.
المطلوب إجراءات رسمية وشعبية حازمة وصارمة للقضاء على هذه الظاهرة،
حتى لو استدعى الأمر تغليظ العقوبات أو سن قوانين جديدة تحول دون استشرائها،
وتنفيذها بحذافيرها دون مراعاة لأحد كائنا من كان. كما يتوجب على المجتمع الأردني
بكافة أطيافه التصدي لهذه الظاهرة، ومحاربتها بشتى الوسائل والسبل،
ومقاطعة المناسبات التي يُطلق فيها الرصاص، حتى لو كانت لأقاربنا الأقربين،
فأرواحنا ليست رهينة لطيش الطائشين، ولا هي رخيصة نقدمها على طبق
من فضة لعبث العابثين.
وأخيراً، نتقدم بأحر العزاء لهذه الأسرة، ولكل أسرة مكلومة، فقدت عزيزاً لها
بفعل الرصاص الطائش، داعين المولى عز وجل، أن يتغمدهم بواسع رحمته،
وأن يُلهم ذويهم الصبر والسلوان