معذرة إن أطلت الشرود حيث اللا بشر، وإن صوبت منظاري وكل عتادي الفكري والجسدي صوب عالم افتراضي، بعيدا عن عالمنا القذر، حيث زحمة الشوارع وضوضاء أبناء وبنات حواء وآدم.. معذرة إن كان قلبي ينبض بحياة بديلة ويسعى إلى بناء عالم جديد حيث لا نحتاج فيه إلى مراكز ودوريات أمنية لحماية البشر في تنقلاتهم اليومية، ولا إلى محاكم لإنصاف المظلومين… ولا وسائط و سماسرة زرعوا الفتن وألهبوا الأسواق التجارية بأسعار خيالية، وخدمات وهمية… عالم مضيء برواده، لا حاجة له بالإنارة العمومية من أجل رصد اللصوص والمنحرفين…عالم تنعدم فيه وظائف المراقبة والوصاية، وتمنع فيه كلمات من قبيل سلطة، أمن، درك، مخزني، جندي…يكون فيه الكل مسؤولا عن الأمن والطمأنينة والراحة البشرية… كنت هناك…أفكر في السوائل
البشرية الطاهرة … من دماء ودموع وعرق.. التي رخصتها البشرية ذاتها…
كنت أفكر كيف أن الدموع التي هي العمود الفقري لأحزان البشر… هي نفسها النشوة الأخيرة لأفراحهم؟… قطرات منها لوقف الأذى الذي قد يلحقه الحزن بباقي الجسد…أو لختم الفرح الذي يتدفق ويغرق كل أعضاءه الجياشة… كنت أفكر كيف أن الدماء… هي نفسها التي تجري في كل العروق البشرية، بنفس لونها وكميتها وتركيبتها مع اختلاف بسيط في بعض مكوناتها… بنفس الوظائف التي تحكمها مدونة شغل موحدة، ونفس البرنامج الغذائي والحمائي… كيف أن هذا السائل الأحمر الناذر والنفيس لا يجد من يثمن قيمة وجوده؟… كيف أن البشرية التي تعتبره الوقود والزيت لكل محركاتها… هي نفسها البشرية التي رخصته، واستباحته، وعاشت تبدع في طرق وأساليب لتفجير مجاريه، والقذف به إلى خارج أجسادنا… إلى حيث لا يمكنه ولا يمكننا العيش… كنت أفكر في عرق يسيل من جسد منتشي، وعرق يصب من جسد يعمل ويكافح… كنت هناك حيث لا يمكن أن أكون كما لو أنني الآن كائن… كنت هناك حيث الآن غير كائن ولا مكنون … كنت بعيدا عن نفسي البشرية… أحاور الروح التي لا تعترف بالجسد … ولا تعرف معنى السوائل البشرية من دماء ودموع وعرق… كنت أناجي اللاشيء، أسأله عن مصير من بذر تلك السوائل، وعن من أرهق الأجساد وجعلها تفرز تلك السوائل وتقذف بها إلى حيث العبث… كنت أبحث في قاموس البشرية عن بشر في مستوى تلك الروح وفي مستوى الأمانة على كل أعضاء الجسد… بشر لا يؤمنون بالحدود الجغرافية و لا التاريخية… عيونهم لا ترى اختلاف ألوانهم وأجناسهم… وعقولهم لا تميز بين فقرائهم وأغنيائه… بشر لهم القدرة على استئصال كلمات التفرقة والميز العنصري من قواميسهم اللغوية…بشر يدركون حق الإدراك أن طرق صرف وتدبير قطرات من الدماء أو الدموع أو العرق… تحدد قيمة وهوية أصحابها…كما تحدد مستقبل ومسار البشرية…سأعود إلى التفكير اليوم وغدا… إلى أن يتحقق واقع خلوتي… فمعذرة إن صادفتموني شاردا بعيدا عن عالمكم…. وإن أغفلت نداءاتكم وابتعدت عن دردشاتكم وحواراتكم اليومية… ومرحبا بكم إن وددتم مزاحمتي في عالمي… والغوص في جوهر الحياة وعصارة مصانعها المبذرة … مرحبا بكم لتتذوقوا من رحيق البشرية ولتدركوا قيمة سوائلنا الطاهرة التي تنزف من أجسادنا بسبب طعون سيوف وسكاكين الفساد والاستبداد التي نتبادلها في سكوننا وحراكنا….مربحا بكم في عالمي الذي هو في حاجة إلى أسوار بشرية، لتنزيله بديلا لعالمكم… أنتم قادمون لا محالة .. أليس كذلك ؟؟..