صناعة القائد تقتضي إنصاف القدوة
نشرت بواسطة: BOUCHAIB HAMRAOUY
في آخر الأخبار, أخبار دولية, أخبار عربية, رئيس التحرير
12 فبراير، 2020
1,204 زيارة
لكل مدينة وقرية من الوطن العربي رائدات ورواد، صنعوا أمجاد بلدتهم ووطنهم في كل المجالات الثقافية والرياضية والفنية والسياسية والاجتماعية والمهنية و.. . بصموا بمعادن نفيسة في سجلات تاريخ بلدانهم. جاهدوا وثابروا بغرائز الإنسانية الحقة والانتماء الفطري والسمو الأخلاقي، فتمكنوا من الانصهار في ما تفرضه أوطانهم، من غيرة وحب وتلاحم ، و إفراز مواطن عربي جمع بين التراث الأصيل والمستقبل المعاصر. بغض النظر عما ورثوه من اختلاف في الترابط القبلي والعرقي والديني .. نزفوا دموعا ودماءا وعرقا .. واستماتوا من أجل ترسيخ مكانة وسمعة الوطن الذي نريد. ساهم كل من زاويته وتخصصه في النهضة والتنمية، والتطور في كل المجالات. استحق كل واحد منهم لقب القدوة والقائد. فلا يمكن لأي مجتمع أن يرقى ويتطور وينتج النجوم والكفاءات بدون إنصافهم. ليس بالتكريم المناسباتي والتذكير السطحي لأرشيفهم الثقيل والوزان. ولكن بمنحهم فرص تجسيد معنى القدوة والمساهمة في صنع القائد على أرض الواقع. وبفسح المجال أمامهم من أجل نقل وتوريث ما راكموه من معلومات وخبرات وتجارب للأجيال المتعاقبة. ومنحهم فرص لعب أدوار بارزة في التكوين والاستشارة والاقتراح.
لابد وأن نسلط الضوء على هؤلاء وأولئك الذين واظبوا من أجل إشعاع نور الأمل والتحدي والمثابرة. شخصيات تألقت في مجالات متعددة محليا ووطنيا ودوليا. برزت في كل مناحي الحياة.. يمكن لها أن توطد طرق ومسالك النموذج التنموي المرتقب. المفروض أن يحتذي بها الأطفال والشباب في كل مراحل تعليمهم وتكوينهم وإبداعهم…
بالحديث عن مآثر ومعالم و رموز الوطن..والتدقيق في قصصهم عن المثابرة والتحدي والكفاح والنجاح والفشل والتميز والصمود والمثابرة… يمكن إنتاج البديل، ورسم السبيل وتحقيق كل هدف نبيل…
لا يعقل أن تطوى صفحات مجيدة لشخصيات كان من المفروض أن تكون سيرتها الذاتية والمهنية، دروسا وعبر. ومواضيع لنصوص تدرس بكل اللغات الحية، بالمدارس والثانويات والجامعات. ولا يعقل أن تكون العزلة والإهمال من نصيب نجوم وكفاءات بصمت بكل جوارحها إلى أن استنزفت وذبلت. كما لا يعقل أن يتم حرمان الأطفال والشباب من لقاء شخصيات بإمكانها تقوية مؤهلاتهم وصقل هواياتهم وتحفيزهم على الصمود والمثابرة.
ما الفائدة من فرض كتب وبرامج تعليمية وثقافية، تحكي عن إبداعات وثقافات وفنون ونجومية الأجانب، دون الحديث بالموازاة عما أفرزه العقل والجسم العربي، وعن مراحل المقاومة التي عاشها هؤلاء في ظروف قاهرة، وتمكنوا من التغلب على العوائق وكل الصعوبات والتفوق والتميز وطنيا ودوليا؟.
ما الفائدة من بناء ملاعب رياضية ومركبات ثقافية وفنية ومسارح وغيرها من البنايات.. التي ترصد لها أغلفة مالية طائلة من ميزانيات المدن والقرى، إن كانت تحضن الغرباء والأجانب في التعليم والتعلم والممارسة. وتجعل من سكان المدينة والقرية (أصحاب المال العمومي) مجرد جمهور. يتابع ما ينظم داخلها من أنشطة ؟ .. ويمتهن السكان ثقافة التصفيق والهتاف والتحسر على إنجازات تنجز بطاقات وكفاءات دخيلة. ما الفائدة من إحداث أندية رياضية محلية، لا تغذي فرقها من الشباب المحلي . ولا تبني مدارس لتكوين الأطفال؟.
ولماذا لا يتم الاعتماد على النجوم السابقين في التكوين والاستشارة والتحفيز.. والاستفادة من مؤهلاتهم وخبراتهم الطويلة والمنتجة ؟. ليدرك الطفل والشاب الممارس لأي نشاط ثقافي، فني، رياضي.. أنه بإمكانه التألق والاحتراف والتنافس الوطني والعالمي.. كما تألق واحترف وسطع نجم سابقيه من أبناء الحي والدرب والدوار.. الذي يعيش وسطه ؟ ..
وباء التجاهل والتناسي والتهميش. لا يشمل النجوم والأبطال المغاربة فقط.. بل يطال حتى العلماء والفقهاء والسياسيين والحقوقيين وغيرهم.. ممن كان بالإمكان أن يؤثثوا لمنابت ومشاتل، تمكن المغرب من كفاءات وقيادات في مستوى الريادة المتوخاة.
لن أكشف عن أسماء ولا عن صفات لتلك الشخصيات … لأن المغرب عج ويعج بها. ولكنني سأزيد من طرح الأسئلة، التي تبرز مدى استفحال وتشفي الوباء القاتل للقدوة.. وأستفسر زعماء الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الحقوقية و.. عن مآل من سبقوهم في الزعامة والقيادة.. ولماذا لا يتم الانتفاع منهم، بإحداث مجالس مركزية خاصة بهم. مهمتها تقديم الاقتراحات والنصائح والاستشارات… ولماذا لا يتم التأريخ لفترات عملهم في كتب ومجلدات تكون رهن إشارة الأطفال واليافعين والشباب. وفرض الاستفادة منهم، بتنظيم لقاءات تواصلية معهم، أو التعريف بمساراتهم ودراستها وتحليلها واستنباط الإيجابيات والسلبيات منها.
لماذا ينهي الرياضي في العالم العربي مشواره، بالإشراف على مقهى أو ضيعة أو الانزواء والاكتفاء بمداخيل مأذونيات (حافلات طرقية أو سيارات أجرة..). عوض دعمه من أجل الانشغال بما هو خبير فيه. وجعله يستثمر في تخصصه الرياضي.. ؟؟.. لماذا لا يصبح اللاعب أو الحارس مدربا أو معلما أو مستشارا أو خبيرا في مجال تخصصه؟.. أو يتم دعمه وتسيير إحداثه لمدرسة أو نادي أو أي مقاولة رياضية.
لماذا تأفل نجومية السياسي والنقابي والحقوقي بمجرد نزوله من كرسي المسؤولية. فيختفي فجأة عن الأنظار.. ويصبح بالكاد قادر على إضاءة زنزانة نومه بشمعة. تنافسه في البكاء والانقراض.. وتعجل من رحيله مثواه الأخير؟..
لماذا يلهث بعض السياسيون وراء نجوم الفن والرياضة من أجل استدراجهم للحضور والمشاركة في لقاءاتهم التواصلية، من أجل تلميع صورهم، واستقطاب الناخبي، عوض فرض حضورهم وتواجدهم بالعمل السياسي الجاد والمقنن ؟.
إن ما يعيشه هؤلاء من عزلة وتهميش، يجعل الأجيال المتعاقبة، ترفض خوض نفس غمارهم، خوفا من أن تلقى نفس المسار الأسود. ويجعلها تتفادى المقاومة والصمود، والاكتفاء برسم مسارات خيالية، والسير وراء الأوهام. لتكتشف في النهاية أنها كانت تطارد السراب. لتعود وتشق طرق أخرى، غالبا ما تتعثر في منتصفها أو تزيح وتنحرف عنها، فتهلك وتبدر معها عقودا من الزمن.
فحتى الأعياد والذكريات الوطنية تحولت لدى التلاميذ والطلبة والموظفين والعمال.. إلى مجرد مناسبات للاستفادة من أيام عطل. والتخلص من أعباء الشغل والتعليم والتكوين.. وتم إفراغها من كل الأهداف والمرامي التي أحدثت من أجلها. والمتمثلة في الحفاظ على الهوية المغربية والتماسك الوطني وتقوية وترسيخ الوطنية. وهو ما ساهم في التفكك الأسري والقبائلي. وإفراز أجيال معادية للتاريخ، لا تهتم بماضيها ولا تؤرخ لحاضرها ولا تخطط لمستقبلها.. وإذا لتكوين والتحفيز…
فهل سينتبه رواد الإصلاح في بلادنا، إلى ضرورة تشكيل لجنة وطنية، مهمتها جرد وتصنيف النجوم والأبطال والمبدعين وكل الشخصيات التي أثثت بتميز في مجالاتها، خلال فترات من تاريخ المغرب. وإلى ضرورة إنصافهم أولا. ووضع برامج ومخططات للانتفاع من تجاربهم وخبراتهم ثانيا ؟… فإنه لا يمكن صناعة القائد الرائد بدون الاعتماد على القدوة.
2020-02-12