عض الأصابع بين أمريكا وإيران
نسيم قبها
نائب رئيس مجلس الكتاب والأدباء والمثقفين العرب فلسطين
أسدلت أميركية والحكومة الإيرانية الستار على المشهد المتشنج بعد أن تسوّق كل طرف منه ما يعزز موقفه من القضية المتنازع عليها، وهي “السلوك الإيراني” الذي يُراد تحديده من قبل الولايات المتحدة بخصوص كل من العراق وسوريا ولبنان.
وأما منطقة الخليج فلا خلاف بين أميركا وإيران على الدور الإيراني بشأنه، وهو مواصلة دور الفزاعة التي تُلجئ الدول الخليجية للاستعانة بالولايات المتحدة، ولا أدل على ذلك من إعراب وزير الخارجية الأميركي عن ارتياحه ودعمه لحرب السعودية على اليمن التي تدر مليارات الدولارات على الخزينة الأميركية بإقرار منه، بالإضافة إلى تذكير ترمب بالضربة الإيرانية لمصافي النفط السعودية التي لم تتحرك لها الولايات المتحدة عسكريًّا كما تحركت لردع إيران بشأن العراق ولبنان، وبالتالي فلا بد من التفريق بين دور إيران المرغوب في الخليج وبين دورها المعرقل في العراق وسوريا ولبنان.
وفي هذا الصدد لا بد أن نعلم بأن القضية من بدايتها وكما أسلفنا هي قضية فعل ورد فعل، أما الفعل فقد بدأته الولايات المتحدة بالضغوط الاقتصادية الخانقة على إيران والعراق ولبنان وتفجير الاحتجاجات الشعبية بهدف إخراج إيران من دائرة صنع القرار فيهما عبر أذرعها ونقلهما إلى معسكر الحل الإقليمي. وهو الأمر الذي دعا إيران إلى التحايل وتحريض الحشد الشعبي العراقي لاستفزاز الولايات المتحدة بالهجوم على قاعدة كركوك وقتل المتعاقد الأميركي لاستجلاب رد عسكري أميركي تستغله إيران في تقويض الاحتجاجات وتحصين رجالها في الحكومات العراقية واللبنانية من السقوط.
ومع تفاقم الوضع إلى محاصرة السفارة الأميركية في بغداد وما له من تأثير سلبي على القادة الأميركيين، استغل ترمب الفرصة لتحقيق نقطة تضاف إلى رصيده الانتخابي حتى لو عرقلت الضغوطات الشعبية فترة وجيزة، حيث كشفت نيته بتشديد العقوبات الاقتصادية عن ثقته بتكفل العقوبات في إثارة الاحتجاجات مرة أخرى.
صحيح أن إيران تسوقت جيدًا من حادثة اغتيال سليماني وبدت وكأنها منتصرة رغم تصرفها وفق قواعد اللعبة، وبتأطير من الولايات المتحدة، لكنها لن تستطيع مواصلة تحكمها في العراق ولبنان تحت الضغوط الاقتصادية القاسية التي تطالهم جميعًا، وسوف تستجيب للضغوطات وطوق النجاة الذي مده ترمب في خطابه.
وسواء كان الرد الإيراني بتفاهم بين أميركا وإيران من خلال رسائل عبر القائم بأعمال السفارة السويسرية في طهران، والذي يرعى المصالح الأميركية، أو غيره، أم لم يكن، فلا شك أنه رد مبرمج لإغلاق ملف اغتيال سليماني الذي حتم على إيران الرد لحفظ ماء وجهها أمام جمهورها وأذرعها في المنطقة. وهذا واضح في تصريح ظريف الذي أعلن انتهاء العملية من طرف إيران، وتصريح ترمب بأن كل شيء على ما يرام؛ أي أن الأمر قد خضع لمقاربة لا تؤثر على شعبية ترمب ولا تذهب بهيبة إيران، وفي ذلك مصلحة آنية للطرفين.
فأميركا لم تتخلَّ عن الدور الإيراني كفزاعة للمنطقة وكعدو بديل عن “إسرائيل”، بل وتستفيد من الرد الإيراني لتعميق قناعة أهل المنطقة وأوروبا بخطورة إيران وأهمية المظلة والردع الأميركي، كما تستفيد من زيادة بيع السلاح للخليج وتحميل أوروبا أعباء مالية إضافية لحماية المنطقة عبر حلف الناتو، حيث تعمد ترمب تذكير الأوروبيين بأن أميركا لا حاجة لها بنفط الشرق الأوسط، وهو ما يفسر حرص الأوروبيين على الاتفاق النووي وخفض التصعيد مع إيران.
ولذلك فإن كل ما يجري هو معالجة لخروج إيران وتحديدًا الجناح المحافظ عما هو مسموح به، بالإضافة إلى استثمار ترمب والنظام الإيراني تداعيات الحدث لمصالح ضيقة ومقتضيات الحدث ذاته.
والظاهر أن الضربات الانتقامية التي قامت بها إيران تجاه القاعدتين الأميركيتين في العراق، كانت ضربات متفقًا عليها بين الطرفين، وهذا الاتفاق جاء في سياق مقايضة السكوت عن اغتيال سليماني برد باهت مقابل التفاوض مع أميركا حول البرنامج النووي والملفات المعلنة بين الطرفين، فقد صرح ترمب بعد ساعات من اغتيال سليماني بأن إيران “لم تفز أبداً بالحرب، لكنها لم تخسر التفاوض أبداً”، وبعد توجيه الضربات الصاروخية المتفق عليها على القاعدتين الأميركيتين، أبلغ ترمبُ رئيسَ لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ جاهزيته للتفاوض مع إيران.
إنه من المؤسف أن تقوم إيران بالتمثيل على المخلصين والمقهورين ، من أجل تحقيق مصالح ملالية سينتهي بها المطاف كالشاه سابقا أو كسليماني لاحقا ، مع العلم أن سيناريو هذه الأزمة المفتعلة ، قد تم إخراجه بالطريقة الهولوودية تماما.