عـيـد الحب وفالنتـاين ……….. بقلم …….. سمير سنكري … السقيلبية
نشرت بواسطة: nedal abo garbeh
في آراء حرة
18 فبراير، 2017
1,488 زيارة
عـيـد الحب وفالنتـاين …
لعـلَّهُ التسـاؤلِ الأول الذي يتبـادر للذهـن دعـاني أن أقـفَ حـائراً في تـفسـير
ظاهـرةٍ امتّـدَتْ في آفـاقِ حياتـنا بدون اسـتـئذان وانتشـرتْ بسـرعةٍ كبيرةٍ في
مسـيرةِ الحـياة , لهذا كان هنـاكَ دافـع لكي أعرفَ ماهيةِ هذه الظاهرة وكيف جاءت
وما هي المُسَــبباتِ ونتائجهـا , .. ( عيدُ الحبِّ ) ظاهـرةٌ وليـدةُ العصـرِ الحديث
ومنعكسـاته الحضـاريةِ .. ولكن من أين جـاء وكيـفَ ورَد , .. من هـوَ فالنتـاين
بطـلُ هذه الظـاهـرة .. ؟ !
بالحقيقة أسـئلةٌ كثيـرة بدأت تدفعني لكي أعـرفَ , لهذا حاولتُ أن أجيبَ عن هذه
الأسـئلة بشـكلٍ أسـتند فيه على حقـائقَ تـاريخية لِمـا أقـول فالسؤال الأول الذي
يتبادر للذهن .. من هـوَ ( فالنتـاين ) ( valantines ) ..؟ !
فالنتينو ـ شـخصيةٌ حقيقية عاشـتْ في عصر الإمبراطـور الروماني كلاوديوس
الثاني في القرن الثالثْ الميـلادي وكان مُبَشِـراً ومعلمـاً للدين المسـيحي الجديد في
ذلكَ التاريخ قبل انتشـاره … ولكن ما الذي جعلَ هذا المُبَشـرْ بطل يوم 14 شـباط
الذي هو عيدُ الحبِّ من كلِّ عام … إليكم الحكـاية بدون أدنى شـك …
كان الرومان يحتـفلون بكل مذاهبهم ومشـاربهم وأمكنةِ تواجدهم في يوم 14 شباط
من كلِّ عام في عيـدٍ وثني أسـمهُ ( جينو .. guno ) نسبةً إلى الآلهة جينـو حافظةِ
النسـاء والزواج … وفي اليوم الثـاني أي في 15 شـباط من كلِّ عـام كان الرومان
في جميع أماكن تواجدهم يحتفلون في هذا العيد الوثني وكان اسـمهُ ( اللوبركاليا ) ولدى
البحث عن معنى هذه الكـلمة تبين لي أن معناها ( النصيب ) أو ما يدل على هذا المعنى
وهذا جاء من كيفية اختيار الزوجة للشـاب الأعزب في المفاهيم والأعـراف الرومانية
القديمة , …. والسـؤال هنا من أين جاءت هذه التسمية ؟ …
أعتـقد أنها جاءت من المراسم التي كانت تقـام في هذه المناسبة إذ لم يكن الاختلاط
بين الذكور والاناث مسموح به عند الرومـان وخاصـة في القرن الثالث الميلادي ولم
يكن يُتـاح للشـاب فرصة التعرف واختيار الفتاة لتكون زوجة له فأخلاق القرن الثالث
للميـلاد للإمبراطورية الرومانية اتسـمت بالتزمت والصرامة في العلاقة بين الجنسين
وكانت الوسيلة الوحيدة المتاحة تتم من خلال طقس احتفالي وثني والذي جــاء ذكره
في اللوبركاليا والتي ترعاه الآلهة جينو آلهة الزواج والنسـاء وحافظتهما حيثُ أنه كان
يتم في هذا الطقس الوثني التالي …
في مسـاء 15 شـباط تُـدَون أسماء العذارى على قصـاصات من ورق يضعونها
في خوابي من فخـار ثم يتقدم كل شاب في سـن الزواج ويأخـذ قصاصة تحمل اسـم
عـذراء تكون زوجة له بعد أن يعيش معها كل أيام الاحتـفال بالعيد اللوبركاليا وذكرى
الآلهة جينو آلهة النسـاء وحافظة الزواج إذا وجَـدَ كل منهما أمكانية استمرار الحيـاة
مع الطرف الآخـر , عندها يتم عقد زواج دائم بينهما ترعاه الآلهة جينو وإن لم يتوافقوا
ينفصلوا عن بعض , … وقد كان الإمبراطور كلاوديوس في القرن الثالث الميلادي قد
توَرطَ في حروبٍ عدة خَسِـرَ فيها الكثير من الشباب … حاول أن يعوض هذه الخسارة
فلم يسـتطع لأن الرجال الرومان كانوا متعلقين بالعائلة والأسرة والحبيبة ويفضلون عدم
الابتعـاد عنهم , .. مما دعى الإمبراطور كلاوديوس أن يصدر قانون يمنع الزواج إلى
أجـلٍ غير مُسَـمى ليلزم الشاب الرومـاني أن يتطوع بالجيش …ولما رأى القديـس
فالنتاين أنَّ هذا سـيؤثر على نمـاء الكيـان المسـيحي قرر مع القديـس ( ماريوس )
(Marius ) أن يُزوج سِـراُ كلَّ من يريد من الشـباب المسيحي المُضطهَـد في ذلك
العصـر حيث أنه لم تدين الإمبراطورية بالدين المسيحي بعد , .. اكتُـشِفَ أمر القديس
عند كلاوديوس فأصـدر أمـراً بالقبض عليه وجَـرِّه في شـوارع روما تحت التعذيب
والتنكيل لِتتم محاكمته والحكم عليه بالجلد والضرب وبقطـع رأسه …
نُفِـذَ الحكم في 14 شـباط عام 270 للميلاد … بعد أن نـُفِّـذَ الحكـم وانتقال دين
الإمبراطورية الرومانية إلى المسـيحية , بدأَ قسـاوسة روما تحويل الاحتفال الذي كانَ
يتم بالعـيد الوثني اللوبركاليا والذي كانَ يُمَجِّـدُ آلهة الزواج والنساء جينو إلى ذكـرى
اسـتـشهاد القديس فالنتـاين وهذا مما أعطى القديس هذه المكـانة , ولمَّـا كان للحب
مكانة باللاشـعور الجمعي عند الإنسان بقيَ لهذا الاسـتـشهاد تعظيمٌ وتبجيل ظهـرت
في إعطـاء عيد الحبِّ هذه المكـانة وأُعطيَ لشخوصه وأحداثه هذا التعظيم وما الوردة
الحمـراء التي يتهـاداها العشـاق إلاَّ تذكير بقطرات دم فالنتاين الطاهرة , لهذا اتسمَتْ
مواصفات هذا القديس بما يرغب أن يكون عليه الحُب وبـدأت المبــالغـة في أحداث
أسـطورة اسـتـشهاد فالنتاين وسجنه لدرجة أن هناك من صدَّق أن من تحبه صـارت
تكتب رسائلها له على بَتَـلاتِ الورد الجـوري الأحمـر القاني وترسـلها إلى السجن
لإعطـاء الوردة الحمراء هذه المكانة …
إنَّ الثقافات والأدبيات الموجودة عند الإنسان في بقـاع الأرضِ جميعها تؤكد أنَّ عيد
الحب هذا موجود قبل هذا التـاريخ بِكثير وعند كافة الشـعوب , وعلى سـبيل المثال
( أسـطورة أُدونيـس ) أبن ملك قبرص الذي كان يتمتع بجمالٍ يضـاهي جمال الآلهة
أحبـته الآلهة أُفروديت التي كانت تغادر جبال ( الأولِمب ) مكـان تواجد الآلهة جميعها
لكي تلتقي أدونيـس لتعيش معه الحب والسـعادة , لأنها أحبَّـته كثيراً , ورغم التـنبيه
المسـتمر لهُ من الوحوش في رحلات الصيد المتكررة فقد ضربه أحد الوحوشِ وقضى
عليه فحزنتْ عليه حزناً شـديداُ مما دعى أبـوها الإله ( زيوس ) أن أمَر آلهة الأرض
السـفلى أن تعـيدَ أدونيـس بعــد أن دُفِـنَ في الأرض ممــا دعى آلهتهــا أن
أن تعيدَ الحياة برجوع هذا المحبوب إلى الأرض كل عام لِتـتجدد الحيـاة مرةً أخـرى
وذلك في أواسط شُـباط سنوياً … ونقاط الدم التي وقعتْ على الأرض من أدونيس هيَ
رمز الوردة الحمراء التي يتهـاداها العشاق في عيد الحب … ( أحـداث الأسـطورة
أُخذت من قصـيدة أوفيـد ـ ميتامارفوز ـ الأسـطورة اليونانية ) وهذه مُسـتَمدة من
الأسطورة البابلية عن عشـتار وتـموز الجميل الذي يموت ليـبعث كلَّ ربيع وهذا هوَ
التواصل الطبيعي بين كل الثـقافـات , ولما كان الإنسـان ضمن الإمكـانية المعرفية
المحدودة كان للأسـطورة مكانة مرموقـة في حياته لهذا نراها بالإضـافة إلى أوفـيد
عند فرجيل في ملحمة الإنيادة وعند هوميروس في الإلياذة وكذلك نراهـا في الأودِّيسة
وأغلب الحكايا الأسطورية عندَ كل شـعوب العالم ولا نزال نراهـا موجودة حتى الآن
في ثـقافات الشـعوب من خلال اللاشعور الجمعي لديه في مناسباتٍ عديدة .. مثل
عيد شَـمِّ النسيم في مصر وعيد الرابـع في سـورية وعيد الزهور عند الأكـراد إلخ .
هذا مايؤكد أن أشـخاص الأسـطورة لها وجـود حقيقي ولكن الإنسـان أعطى لها
الأهميَّة لها ولشـخوصها وأحداثها وارتباطها برغبة الإنسان وما يرده المسؤول أحياناً
لذا نجـد أن كل الأسـاطير أحداث حقيقية مبالغ فيها لدرجة أنَّ الوعي العقلي الآن يراها
بعيدة عن المصداقية , وللزمن أثر ودور كبير في إضـافة الكثير من المبالغات لأحداث
الأسطورة فلا تستغربوا التصرفات التي نراها في عيد الحب فهذا ما يريده الإنسـان
باللاشـعور الجمعي .. ( سمير سنكري … السقيلبية )
سمير سنكري ... السقيلبية عـيـد الحب وفالنتـاين ... 2017-02-18