مجرد متملق أوكما نقول نحن المغاربة (لحاس الكابة)، مستعد للركوع والسجود والخنوع والتذلل والانحطاط الشرفي و.. من أجل أن يحظى برضا أو ابتسامة مسؤول، أو ينال كعكة مالية أو خدمة أو حتى لفت انتباه أو تغميضة العين (عين ميكة) أو .. هذا ما أصبح عليه الإنسان، ذلك الكائن الاجتماعي المفروض أنه يتمتع دونا عن باقي الكائنات الحية، بالاستثناء العقلي واللساني. والمفروض أنه العارف والعالم ، دونا عن باقي المتزاحمين معه فوق الأرض، بقيمة ومعنى كلمات، من قبيل الشرف والعفة والكرامة…أصبح الإنسان مستعدا لمصاحبة الحقارة، والعيش في التفاهة، والانغماس في الذل والهوان… من أجل أن يحظى بمطالب، هي في الأصل من بين حقوقه الشرعية. ومن أجل أن يحصل على خدمات، كان من المفروض أن يطالب بها برأس مرفوعة.. وبلسان فصيح غير مرتبك ولا متلعثم… أو من أجل أن يحصل دون وجه حق على ما هو من حق غيره..
وباء التملق، ترسخ بعقل الإنسان وبات يسيطر على كل أنشطته وتحركاته.. سواء كان مواطنا عاديا، أو مسؤولا.. كان غفيرا أو وزيرا أو حتى حاكما…بعد أن بات (التملق) بديلا للنضال الحقيقي والمثابرة والكفاح و.. وبات مصدرا للتألق والظفر بحقوق مشروعة و أخرى غير مشروعة..
أصبح التلميذ متملقا لأستاذه من أجل نيل نقط غير مستحقة. وأصبح العامل متملقا لمديره من أجل الحصول على علاوة أو ترقية أو عمل مريح. وأصبح الوزير متملقا لرئيس حكومته أو زعيم دولته من أجل أن يحظى بالعطف المالي واللوجيستيكي و.. وأصبح المرشح في الانتخابات متملقا للجهة المسؤولة عن مراقبة تلك الانتخابات، من أجل دعم ترشحيه والمساهمة في حملاته الانتخابية. وأصبح زعيم الدولة متملقا لزعيم دولة عظمى من أجل دعم جبروته على شعبه، ودعم استمرار نظامه المستبد.. وهكذا انتشر وباء التملق الذي أتى على مفهوم الديمقراطية، وأفرغها من حمولتها. ليتم ملأها بمبادئ وقوانين مزيفة..زادت من تعفن أوضاع الشعوب، وكرست مفاهيم مغلوطة لكل ما عاشت تلك الشعوب تدافع من أجل تحقيقه…
عفن التملق، حول الإدارات العمومية إلى مجرد دكاكين، يمكن لأي كان يفتحها ويتاجر فيها، بلا حاجة إلى الكوادر والكفاءات اللازمة للتطوير والإبداع. وجرد الإنسان من وضعه الحقيقي كمحرك لما يدور في محيطه. وجعله مجرد آلة تضاف إلى باقي التجهيزات المكتبية، يتم برمجته وفق أجندات من منحوه تلك الوظيفة أو الخدمة.. ويعمل لصالحهم عن طريق جهاز التحكم عن بعد (التيليكوموند)…
عفن التملق، أفقد التعليم والتكوين أهدافهما، وجعلهما محطات عبور أو جسور ليس إلا، تنتهي بسالكيها إلى الانحراف والبطالة.. فمن تحلى بعفن التملق والصبر الطويل على امتصاص كل أشكال الحقارة، قد يجد له منفذا لطريق الشغل.. ومن عاش يلهث وراء حقوقه المشروعة، طال انتظاره. وحرس على ترسيخ مفاهيم الشرف والعفة.. ربما قد تأتيه المنية قبل أن يحظى بتلك الحقوق..
ويبقى المتملق حاضرا بكل دول العالم… مجنسا بكل الجنسيات…متدينا بكل الأديان السماوية والعقائد. لكن درجة انتشار هذا الوباء تختلف من دولة إلى أخرى… ويبقى المتملق العربي والإفريقي حاضرا بقوة. مستعدا لإفراز تملقه بسخاء وصخب دون خجل أو ملل..من أجل المال والجاه ..ويبقى تملقه لغير العربي أكثر وأشد…
عندما يصل مستوى التذلل والانحطاط الشرفي للإنسان، إلى درجة استجداء حقوقه والتوسل من أجل نيل مطالبه المشروعة. وقضاء الساعات أمام المرافق العمومية في تسولها، فاعلم أن ذلك الإنسان مريض بوباء (التملق)، وأنه لا يصلح لأي عمل أو مهمة. وأنه لابد من العمل أولا على علاجه من ذلك الوباء. قبل التفكير في تكليفه بأي عمل أو منحه أية مسؤولية. واعلم أنه كلما زاد عدد هؤلاء المتملقين داخل بلد ما، فإن آفة التدهور والانحطاط ستضل ضاربة في عمق هذا البلد. وأن هؤلاء المتملقين هم في طريقهم لنزع كل ما ينبض بالحياة داخل ذلك البلد. وأنهم أعلنوا عن استحالة توفير العلاج لهذا الوباء، وأكدوا بداية احتضار الشعب بأكمله…
وباء (التملق) الذي ترسخ في ذهن الإنسان، من أجل التألق ونيل الحظوة التي تكون في الغالب ليس من حقه. لم ينجم عنه فقط التخلي عن مبدأ (وضع الرجل المناسب في المكان المناسب)، أو (وضع المرأة المناسبة في المكان المناسب). ولكنه ينتهي كذلك بانتشار وباء ثان، متمثل في (التملص). فإذا كان (المتملق) يحصل على حقوق غيره أو حتى على حقوقه لكن بطرق مهينة. فإن ولي نعمته، ذاك الشخص الذي تملق إليه من اجل الظفر بتلك الوظيفة أو الخدمة أو .. يكون في مرتبة أو درجة أعلى منه مالا أو جاها. ويترسخ في عقله أن ذاك المتملق، فقد الأهلية والشرعية للدفاع عن مصالحه، ولم يعد ذاك الإنسان الذي يمكن أن يزعجه في عمله أو أن يقف حجر عثرة أمام انشغالاته. وهو ما يمكنه من التملص في أداء واجباته والقصور والتهاون في عمله. وطبعا فالمتملق لا يمكنه محاسبة من كان ولي نعمته.. ليتم التحالف والتلاحم بينهما.. والنتيجة نقمة على البلد والشعب.