بقلم/عبد الرازق أحمد الشاعر.
“حافظ على تشتّت اهتمامات العامة، بعيدا عن المشكلات الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية. اجعل الشعب منشغلا، منشغلا، منشغلا، دون أن يكون لديه وقت للتفكير، وحتى يعود للضيعة مع بقيّة الحيوانات،” تلكم واحدة من استراتيجيات عشر اعتمدها العبقري نعوم تشومسكي في كتابه “أسلحة صامتة لحروب هادئة”.
لكن المفكر الأريب قد فاته أن الإفراط في السخف قد يؤدي إلى خلق نوع من التمرد العنيف. فقليل من الدخان يعرقل المسير فوق الطرق الكابية، لكن العمى التام ينذر بارتطام غير محمود بالأسلاك الوهمية الشائكة، والتجرؤ على الخطوط الهلامية الحمراء. وحين يستولي على جنبات المنصة حفنة من المهرجين، تفقد الهزلية جدتها، ويتوقف الناس عن فغر أفواههم والحملقة في الفراغ، لأن مسخ المتصدرين للمشهد لن يكونوا قادرين على الإبهار الدائم، لا سيما إن كانوا لا يجيدون من فنون الإلهاء إلا صبغ الحواجب ونفخ الأشداق.
فات تشومسكي أن الشعوب الطيبة التي تدخل طواعية حظائر الطاعة باستخدام تقنيات بيولوجيا الأعصاب، لن تستمر هناك طويلا، ولن تتحمل رائحة الروث المنبعثة من كل جنبات الوطن حين يبول الساسة والإعلاميون والعاهرات في مخادعهم، وحين يدركون أن رفع الحذاء هو الحل الأمثل للخروج عن النص.
رفع الحذاء فلسفة عاجزة، ابتدعها الصحفي العراقي منتظر الزيدي، واتبعها البرلماني المصري كمال أحمد، ليعلنا استعلاء بعض الجينات على أبجديات القطيع. لكنهما، علما أم لم يعلما، تحولا إلى جزء من مشهد مثير للشفقة في مسرحية إلهاء كبيرة أعدها حفنة من علماء النفس وبيولوجيا الأعصاب بمهارة مقززة.
ولهذا لن نصفق اليوم لرافع الحذاء، ولن نعرض ثمنا لحذائه، حتى لا نشارك في تغييب شعب هو في الأساس في غيابات الغياب. ولن ندق مسمارا أخيرا في نعش الوعي بالتحدث عن شخصيات هزلية أدت دورها المهين بحرفية عالية غلب عليها الكثير من التهور والحمق، واستطاعت أن تصرف مثقفي الشعب قبل عوامه عن المطالبة بحقوقهم السماوية في العيش والحرية والكرامة. لن نتحدث عن العكاشيين الجدد، والذين تفننوا في سرقة أحلام الشعب بالرقص فوق جراح وطن يحتضر، تنفيذا لأجندات لا تريد للوطن ولا للمواطن خيرا. كما لن نتحدث عن كرويين وإعلاميين ضالعين حتى النخاع في تنفيذ مخطط الإلهاء حتى لا نصبح بعضا من كل نتن.
وهنا، أربأ بأعضاء مجلس تحول إلى مسرح كبير، أن يستمروا في الانقسام الغبي حول طرفي حذاء، وإن كان حذاء وطنيا بامتياز. نقدر للسيد كمال أحمد وطنيته، لكننا لن نترك الفقر والجهل والمرض يعيثان فسادا في ربوع المحروسة لنقف في مزاد حذاء، أو لنطالب بشطب نائب أو إيقاف برنامج. المواطنون الشرفاء أولى بمداخلاتكم أيها الواقفون على حدود الفاجعة، فإما أن تكونوا نوابا بحق أو تعلنوا انسحابا يليق بكم من مجلس يتصدره السفهاء والرويبضة ونافخو الكير.
عبد الرازق أحمد الشاعر