قراءة في قصة “معاً .. نحو ربيع يُصفق”
للكاتبة عدلة الكوز
الرأي العربي .. بقلم: د. محمد أبو صقري
تدور أحداث القصة في غرفة نوم بطلة القصة ذات ليلة ثلجية من ليالي الشتاء، تتحرك فيها بطلة القصة بين المكتب الصغير والنافذة والمرآة والسرير المشترك الذي يرقد فيه طفلها الوحيد، تتنازعها أحاسيس مبهمة، يغلب عليها الحزن، و “لماذا الحزن؟ لعل هنالك ثمة وهج ما زالت تراه في قلبها .. وهج ليلة صيف في البال .. ذات عطر ساخن”. من هنا تبدأ الحكاية، تعود بذاكرتها ثلاث سنين ونيف إلى الوراء، إلى تلك الليلة الصيفية التي بقيت عالقة في ذاكرتها، لايمكن لها أن تنساها، فثمرتها طفل صغير يغط في نوم عميق في ذلك السرير المشترك، لكن الراوي لا يذكر لنا إلا النزر اليسير عن شريك السرير هذا، غير أن أحداث القصة وخلجات قلب المرأة تكشف لنا أن لا وجود له بينهم ومعهم، فهي تعيش مع طفلها في هذا المكان وحدهما، لا ثالث لهما، فقد ” كان الانفصال ضروريا لاحتفظ بصفة التماسك، ولأتمتع بخاصية الإطار السليم ، ولأعبر بك إلى السطح .. إلى يابس ساكن لا تغوص في وحلة قدماك الطريتان”. إذن كان الانفصال عن شريكها قراراً لا مفر منه من أجل نفسها ومستقبل ولدها.
في ليلة الثلج هذه، التي تدور الأحداث في جزء منها، تشعر بطلة القصة بالقلق على مستقبل ولدها، ويتمثل القلق والتوتر وربما الخوف في تحركاتها داخل الغرفة، فهي لا تستقر في مكان، تذهب بين الفينة والأخرى إلى النافذة لتشاهد الثلج يتساقط في الخارج، قد تكون المرة الأولى التي تشاهد فيها الثلج على هذا النحو، فهي تشعر أن الثلج يحاصرها وينكأ جراحها، وأن لون الثلج يستفزها ويثير غضبها، لأن لونه الأبيض خادع، وقد يختفي غداً صباحاً، وذلك في إشارة ربما إلى انخداعها في شريك حياتها الذي انفصلت عنه.
تسدل الستائر وتعود فينصبُّ بصرها على ولدها الذي يرقد في السرير المشترك، وعلى النقيض من الصقيع وحلكة الليل خارج المنزل، هنالك في الداخل يغط فلذة كبدها في نوم عميق، فتنظر إليه فتراه”حفنة من ضوء” يعلو الابتسام وجهه، فتشعر أن واجبها ومسؤوليتها كأم أن تتخطى كل الظروف، وأن لديها القوة والإيمان اللذين يمكنانها من أن ترسم مستقبلاً مشرقاً لولدها، ولهذا فإن الثلج الذي كانت تخشى النظر إليه في بداية الأمر قد أصبح عند الفجر بياضاً تحب أن تنظر إليه، إنه الفجر إذاً، وها هي نظرتها إلى الثلج قد أصبحت مختلفة عما كانت عليه، فتشعر أنه إيذان بحياة جديدة ومستقبل جديد، وأن الربيع قادم لا محالة، “فترتسم السكينة على محياها” و “تروح في نوم هادئ .. هادئ”
تستخدم الكاتبة في هذه القصة عنصر الحركة باستخدامها الأفعال المضارعة والمستمرة (تسكن، تتلمس، تعيد، تتقدم، تصوب، وغيرها)، مما أضفى على القصة الحيوية، وشكَّل عنصر تشويق مهم للقارئ، كما استخدمت الكاتبة الصور الحسية في أماكن متعددة للتعبير عن المشاعر المكبوتة في صدرها.
ويُسجل للكاتبة استخدامها لما يسمي في الأدب الغربي بالثغرات الأدبية Literary gaps، حيث تترك للقارئ حرية الاجتهاد لاستكساف ما تعمدت الكاتبة تركه دون تفصيلات، وعلى القارئ هنا أن يجتهد لملء الفراغات، وهو اسلوب إبداعي يستخدمه الكتاب المبدعون من أجل إثارة التشويق وترك مساحة من الحرية للقارئ لملء الفراغات وفق خبراته وقراءاته وتحليلاته، ويلاحظ أن الكاتبة قد تعمدت القفز عن كثير من التفصيلات التي ربما لو أضافتها لأفسدت المتعة على القارئ، لكنها لحسن الحظ لم تفعل.
ما يميز هذه القصة هو استخدام الرمزية في كثير من عبارات القصة وأحداثها، فقد استخدمت الكاتبة كلمات وعبارات من مثل (الطير المذبوح، دم على الشجرة، جرح العصفور، العصافير هنا لا تُجرح فقط، وإنما تُذبح وتسلخ) في إشارة إلى المعاناة وقسوة الناس والظروف والحياة. كما استخدمت اسلوب الحوار لإضفاء الواقعية والمصداقية على القصة، وبالإضافة إلى ذلك، فقد وظفت الكاتبة مقاطع من الأغاني الجميلة عن الثلج والعصافير قرب نهاية القصة للتعبير عن الامل والربيع وتجدد الحياة، وهو المستقبل الزاهي الذي تراه في طفلها.