رواية قطار الزمن
الجزء الثاني
الفصل الخامس
الباب الاول
الليل والصحراء
اخذ الأطفال أماكنهم في السيارة بعد ساعة من الراحة في ظلم.بعد تناول العشاء حسب اختيارهم بين الأرز باللحم وبين سليق اللحم مع رقاق الخبز….
كانت كل المطاعم تعد نفس الأطباق تقريبا.. يعدها اليمنيون أصحاب المطاعم او شركاء للسعوديين…
شاهد مكرم خليطا من المسافرين قد توقفوا مثله مع أنواع مختلفة من السيارات في الاحجام والمصانع والجدة والركاب.. بعضهم مع أسرته مثل مكرم وبعضهم في مجموعات من العملة من شرق آسيا.
كان هنالك بعض السعوديين في سياراتهم العائلية الفخمة المتينة وبعض المصريين في سيارات مستعملة اقل جدة . والعدد الاكبر من شرق آسيا بلباسهم المميز…
حاول مكرم ان يتمدد على الأرض قليلا .بينما تراقب ام خالد أطفالها ولكنه سرعان ما نهض واستوي بمكانه خلف مقود السيارة. وقرر ان يصبر ويقاوم النوم والتعب حتى يبلغ الطاىف ومخرج السيل الكبير الي الميقات. . ونظر الي مختلف السيارت وهي تتسلل الواحدة تلوي الأخرى وتعود الي جنح الظلام والي الطريق والصحراء.
كانت النسمات رقيقة جافة . وفتح مكرم النافذة بجانبه والتفت خلفة يتفقد أطفاله الثلاث الذين خيم عليهم الصمت الا من سؤال واحد:
_”وقتاش نوصلوا بابا “..؟
_قريب؟!
_كم من ساعة؟
_” ثلاث او اربع ساعات….!
أجاب اليا ليطمئن امل اكبر أطفاله وكانت كثيرة الأسئلة والاستفهام…!
وادار مقود السيارة في اتجاه الطريق وسرعان ما ابتعد وابتعدت أضواء المحطة ولم يبق أمام ناظره سوى الطريق والليل والصحراء وبعض الأضواء التي تتراقص خلفه ثم تقترب وتجتاره بسرعة وتغيب في ظلمة الليل البهيم وتختفي آضواؤها من جديد….
نام الأطفال جميعهم ونامت ام خالد بجانبه ممسكة بكيس رضيعتها المتدلي على صدرها والذي تدلت منه رجلي بشري الصغيرتين… ووضعت أمامها مخدات لحمايتها. ..
وحاول مكرم ان ينظر على يساره من خلال النافذة فلم ير سوي جنبات الطريق وهي تتواري خلفه وفتح مذياع السيارة ليطرد عن نفسه بعض الملل.. وسرعان ما سرح به الخيال الخفاق يجول به في أرض الله الواسعة…
مرت تلات ساعات وهو في حوار بالاضواء مع سائقي السيارات التي تعترضه في اتجاه الرياض والتى تجتازه في اتجاه الطائف.. ثم شاهد بعض الأضواء على يمينه وعن بعد وادرك انه اقترب من العمران والقرى المتناثرة قبل الطائف. وبدأت النسمات يقل جفافها وتزداد رطوبتها الناعمة التي تداعب الوجوه. واحس بعودة قواه وبدأت تعترضه بعض اللوحات التي تذكر السائق بذكر الله حينا والأماكن والاتجاهات حينا آخر. َ واقترب من الطائف ومن الحوية. ومنها مخرج النزول في اتجاه مكة المكرمة من طريق السيل الكبير الذي حذر من اجتيازه الي نزلة الهدى ذات الكباري المعلقة. ووجد نفسه مع منتصف الليل وسط مدينة يدخلها لأول مرة وقصد محطة للبنزين لملء خزان السيارة والاستفسار والتأكد من الطريق . واشير عليه بأن يرجع قليلا الي الوراء ويصعد احد الكباري وياخذ طريق الميقات يمينه.. فعاد ادراجه وصعد الكبرى وسار متمهلا في أرض منبسطة وسط أحياء متباعدة البنيان الي ان وجد نفسه ينزل مع طريق مزدوج سريع وسط جبال اختلط سوادها بظلمة الليل . وسار ببطء في طريق جميل وغريب موحش بمنعرجاته وجباله.. واربكته السيارات التي تجتازه بسرعة كبيرة مستعملة منبهات الصوت احيانا. واستمر على ذالك الحال مدة وهو غير متأكد من انه في الاتجاه الصحيح حتى استقام به المنحدر وشاهد الأضواء على يمينه واللوحات والعلامات.. .. ووجد نفسه يتبع السيارات التي تغادر الطريق السريعة الي مسجد الميقات الكبير ومواقفه ومرافقه .
كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. ولم يجد صعوبة في ايجاد موقف لسيارته. كان هنالك جمع غفير من المعتمرين بعضهم قد احرم وبدأ يغادر المكان للنزول الي الحرم وبعضهم في المسجد الكبير يصلي ركعتي الإحرام وبعضهم نائما في زوايا الجامع الكبير. وفي الساحات بعض الباعة هنا وهنالك مع بضاعتهم من ملابس الإحرام ومواد النظافة والتحف.
وبعض باعة الأكلات الخفيفة…..
احس مكرم بسعادة غامرة ونشوة الانتصار على الطريق…
(يتبع)
تونس في 2/6//2021
محمد عبد الكريم الوصيف