هواجس
البحر الطويل
ــــــــــ
أَرَانِي وَقَدْ هَامَ الْفُؤَادُ مُغَرِّداً
أَهِيمُ وَحِيداً فَوْقَ أَجْنِحَةِ الْيَأْسِ
فَلاَ مِثْلَ قَلْبِي قَدْ رَأَيْتُ مُغَامِراً
وَلاَ فِي النُّفُوسِ الْعَابِثَاتِ هَوَى نَفْسِي
فَأُصْبِحُ مَغْلُوباً أَلُومُ صَبَابَتِي
وَأُمْسِي عَلَى نَارٍ يَئِنُّ بِهَا حِسِّي
***
حَيَاةٌ مِنَ الأَحْلاَمِ فِي غَسَقِ الدُّجَى
وَضَرْبٌ مِنَ الأَوْهَامِ يَسْخَرُ مِنْ هَمْسِي
وَجَرْسٌ – تَهَادَى فِي الظَّلامِ – يُذِيبُنِي
وَبُؤْسٌ يُدَوِّي فِي الْجَوَانِحِ كَالْجَرْسِ
شُكُوكٌ ، وَضَوْضَاءٌ تُحِيطُ بِيَائِسٍ
تَقَلَّبَ فِي الأَهْوَاءِ يَشْكُو مِنَ الْمَسِّ
فَمَاذَا لَو الأَوْهَامُ نَامَتْ عُيُونُهَا ؟
وَمَاذَا لَو الأَحْلامُ تَمْثُلُ كَالْكَأْسِ ؟
وَمَاذَا لَو الأَنَّاتُ صَارَتْ جَمِيعُهَا
أَغَارِيدَ قَلْبٍ لاَ يَملُّ مِنَ الْيَأْسِ ؟
***
فَيَا قَلْبُ – صَبْراً – لَسْتُ بَالِغُ غَايَتِي
وَفِيكَ مِنَ الأَوْهَامِ شَيءٌ مِنَ الأَمْسِ
فَمَا كَانَ أَمْسِي غَيْرَ حلْمٍ عَشِقْتُهُ
وَقَدْ آَلَ يَوْمِي مِثْل أَمْسِي إِلَى رَمْسِ
وَفِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ عِظَاتٍ رَأَيْتُهَا
وَفِي كُلِّ يَوْمٍ عَنَّ أَكْثَرُ مِنْ دَرْسِ
فَمَا عَلِمَتْ نَفْسي بِمَا كَانَ يَنْبَغِي
وَمَا أَدْرَكَتْ مَا كَانَ فِيهَا مِنَ الرِّجْسِ
غَدٌ سَوْفَ يَمْضِي مِثْلَ يَوْمِي وَقَدْ مَضَى
وَلَمْ أَرَ شَيْئاً قَدْ تَسَرَّتْ بِهِ نَفْسِي
***
لَقَدْ مَرَّت الأَيَّامُ تَلْهُو بِغَايَتِي
وَلاَحَتْ خُيُوطُ الشَّيْبِ تَعْبَثُ فِي رَأْسِي
وَضَاعَ مَعَ الأَيَّامِ حُلْمُ حَلمْتُهُ
وَقَلْبٌ تَغَنَّى بِالضَّلاَلِ وَبِالْهَجْسِ
وَضَاعَتْ سِنُونٌ كُنْتُ أَحْسبُ أَنَّهَا
شَبَابٌ ، وَأَحْلاَمٌ ، وَحَظٌ مَعَ الأُنْسِ
وَفَرَّتْ حَيَاةٌ لَسْتُ أَعْرِفُ كُنْهَهَا
وَفَاضَتْ شُجُونُ الصَّمْتِ تَهْمِسُ كَالْخُرْسِ
سَرَابٌ ، وَأَوْهَامٌ ، وَخَوْفٌ مِنَ الْغَدِ
وَنَارٌ ، وَبُرْكَانٌ يَفُورُ مَعَ الْحِسِّ
أَفَقْتُ مِنَ الأَوْهَامِ لكنْ وَجَدْتُنِي
أَفَقْتُ ، وَقَدْ جُنَّ الْفُؤَادُ مِنَ الْمَسِّ
فَيَا رَبُّ إِنِّي قَدْ سَئِمْتُ ، وَسَاءَنِي
مِنَ الأَزَمَاتِ الْغَابِرَاتِ هَوَى نَفْسِي
كَفَانِي مِنَ الأَيَّامِ أَنِّي أَعِيشُهَا
وَحَسْبِي مِنَ الأَحْلاَمِ سَيْلٌ مِنَ الْبُؤْسِ
فَلَسْتُ أُغَالِي فِي الْحَيَاةِ وَبَأْسِهَا
وَلَسْتُ أُغَالِي فِي القُنُوطِ وَفِي الْيَأْسِ
***
فَأَنْتَ الَّذِي خَلَقَ الْوُجُودَ وَبَارِئِي
وَتَعْلَمُ سِرَّ النَّفْسِ فِي الْجِنِّ وَالإِنْسِ
وَعِلْمُكَ يَا رَبِّي مُحِيطٌ بِحَالَتِي
وَأَبْلَغُ مِنْ شِعْرِي وَجَهْرِي وَمِنْ حَدْسِي
فَكُنْ لي عَلَى الأَيَّامِ خَيْرَ مُسَاعِدٍ
وَكُنْ لِي إِلَهَ الْكَوْنِ عَوْناً عَلَى الْحَرْسِ
***
الشاعر سمير الزيات