أخر المستجدات
الرئيسية » مقالات » العجوز والهــــــــرة ..قصة من التراث بقلم علي الشافعي

العجوز والهــــــــرة ..قصة من التراث بقلم علي الشافعي

حديث الجمعة بقلم علي الشافعي
العجوز والهــــــــرة قصة من التراث
حدوثة لطيفة ظريفة ــ ايها السادة الافاضل ــ سمعناها كثيرا من جدتي , وكثيرا ما كنا نستزيدها ونطالبها اعادتها , لا رغبة في الحكاية فقد حفظناها عن ظهر قلب , بل حبا في اسلوب جدتي وهي ترويها . ما زلت اتذكر تحلقنا حولها وهي تروي الحدوثة بصوت هادي رصين معبر ؛ تخرج الحروف من مخارجها , وتتمثل المواقف المشاهد , بحيث تجعلك تعايش الاحداث والشخوص , تعيش الحدث وتحس احاسيس اشخاصه وتنفعل بانفعالاتهم , تفرح لفرحهم وتحزن لحزنهم , وتُعجب بمواقفهم واقوالهم وافعالهم , وتجعل الاف الاسئلة تدور في ذهنك : كيف ولماذا ؟ وماذا و ماذا لو ؟ ….الخ .
مازالت هذه الحدوثة تدور في خلدي تماما كما روتها جدتي , لكنها عصفت بذهني هذه الايام عدة تساؤلات . سأروي لكم ـــ يا دام فضلكم ــ الحدوثة , واعصف بأذهانكم الاسئلة التي عصفت بذهني لعلي اجد الاجابات الشافية . تقول الحدوثة :
كان يا ما كان في قديم الزمان , ولا يحلو الكلام الا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام , كان هناك كوخ صغير متهالك بأطراف قرية تسكنه عجوز فقيرة , ليس عندها من حطام الدنيا سوى شاة عجفاء , تحلبها كل يوم وتقتات من حليبها ,حامدة ربها على رزقه شاكرة انعمه , في ليلة من الليالي حلبت العجوز الشاة , ووضعت الاناء على الارض , وقامت تصلي العشاء , وقالت في نفسها : سأصلي العشاء واشرب الحليب وانام .
اثناء الصلاة دخلت هرة فشربت جزءا من الحليب وقلبت الاناء , فضربتها العجوز بعكازها فقطعت ذيلها , وهربت الهرة بادئ الامر , ولكنها احست بعد ذلك ان ذيلها قد قطع , فكيف ستعيش بين بني الهرر وهي بدون ذيل , ستتعرض للانتقاد والتندر والتغامز والتلامز , فآثرت العودة للعجوز ترجوها ان ترد لها ذيلها , فتعود لأهلها معززة مكرمة وكان شيئا لم يكن , وبراءة الهرر في عينيها . قالت العجوز : لن اعطيك ذيلك الا اذا احضرت لي كوبا من الحليب بدل الذي شربت حتى لا ابيت طاوية . ذهبت الهرة الى البقرة في المزرعة المجاورة ترجوها ان تعطيها كوبا من الحليب . قالت البقرة : لن اعطيك الحليب حتى تحضري لي بعض العشب , فانا جائعة وعندما اشبع يكثر الحليب في ضرعي ويطيب . ذهبت الهرة الى الشجرة وقالت لها : يا شجرة يا شجرة ارجوك ان تعطيني غصنا , فأعطيه للبقرة لتأكله فتعطيني الحليب , لآخذه للعجوز لترد لي ذيلي لأعود الى اهلي . قالت الشجرة : انا عطشى اريد دلو ماء من البئر المجاور فارتوي واعطيك ما طلبت . ذهبت الهرة الى البئر وقالت : يا بئر يا بئر : اعطني دلوا من مائك العذب لأعطيه للشجرة لتعطيني الغصن فأعطيه للبقرة فتعطيني الحليب لأعطيه للعجوز فتعطيني العجوز ذيلي لأعود لأهلي . قال البئر : لن اعطيك حتى تذهبي لصبايا الحي فتطلبي منهن ان يأتين ساحتي فيملان الجرار ويغنين ويرقصن . ذهبت الهرة الى الصبايا وطلبت منهن ما اراد البئر فقلن لها : لن نذهب الا اذا احضرت لنا احذية جديدة نرقص بها . ذهبت الهرة الى الاسكافي وطلبت منه احذية للصبايا يرقصن بها على ساحة البئر , ليعطيها دلو ماء فتذهب به للشجرة التي وعدتها ان تعطيها غصنا , تذهب به للبقرة لتشبع جوعها فتعطيها كوبا من الحليب , لتقدمه للعجوز لترد لها ذيلها . فقال : لها انا جائع اريد بعض البيض وسأعطيك الاحذية . ذهبت الهرة الى الدجاجة ترجوها ان تعطيها بعض البيض قالت : اريد بعض العلف لأعطيك البيض . مشت حائرة منهكة فرات فلاحا يحصد قمحه فروت له الحكاية يائسة , وطلبت منه حفنة من القمح , فاشفق على حالها واعطاها , فأسرعت بها الى الدجاجة فأعطتها البيض وهكذا سارت بالسلسلة حتى استردت ذيلها .
اقول : ــ يا دام مجد اهليكم ــ ترى لو ان الفلاح لم يعطها حبات القمح , وطلب منها كوب حليب لأنه جائع فهل ستذهب للبقرة مرة اخرى وتبدا السلسلة من جديد ؟ ثم لنفرض ان البقرة اشفقت عليها اعطتها الحليب في المرة الثانية , ففي رايكم ــ وهي بالذكاء الذي نعهد ــ هل ستذهب به للفلاح وتسير بالسلسلة ؟ ام للعجوز مباشرة وتختصر على نفسها ؟ ماذا لو ان الهرة لم تفلح في تامين الحليب وجاعت العجوز , فماذا تفعل في رايكم هل تعمد الى الشاة فتذبحها , ام تستجدي قوت ليلتها من الجيران والذين هم كما يبدو ليسوا اوفر حظا منها , ام تصبر وتعصب على بطنها ؟ كل هذه وغيرها اسئلة بسيطة كانت تدور في اذهاننا ونحن صغار ونجد الاجابة في غالب الاحيان .
اما السؤال الكبير والذي لم يدر بخلد امخاخنا الصغيرة في ذلك الوقت , الذي نخاف ان نطرحه ونتلفت حولنا كلما دار في اذهاننا ونحن كبار : كم من مختلس في بلادنا اختلس قوت الفقراء وباسم القانون او فر من وجه العدالة . تُرى ــ يا دام سعد ابائكم الاوائل ــ لو طبق قانون العجوز هذا على كل من سرق قوت شعبه وحليب رضعه ودواء اطفاله , وتاجر بدماء شهدائه , وعطل انتاج بلده , ليستورد منتجات الغير من اجل الربح . ترى لو طبق هذا القانون و(داخ دوخات الهرة السبع ), حتى يطهر نفسه و يكفر عن خطاياه , ويعيد المال المنهوب لأهله هل يبقى المفسدون في الارض ؟؟؟؟ طابت اوقاتكم .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.