القصة التي تحكي من هم أهل مدينة دمشق..تلك المدينة التي كتبت قصة حضارة ومدنية لكل البشرية ؟
بقلم خالد محمد الفحام مع فجر 17-6- 2017
هو سؤال يُطرح على كل زمن من زمن هذه المدينة ويوم كانت في عصر من عصور من سكنها أو من حكمها أو من ضمها لإمبراطوريته أو لسلطانه..ولا يُسأل أهل زمان لاحق من زمانها عما فعله السابقون.
ولا يُسأل أهل مدينة عاصرت التاريخ الإنساني واستضافت بارادتها أو غصبا عنها قوماً كانوا صالحين أو عاثوا فيها فسادا فهم الطالحين…لا يُسألون إلا بما هم بتراث مدينتهم الخصب خيراً أو شراً فاعلون.
ولا يكون من ثمة أثر في تشكيل إنتمائها العرقي أوالاثني لغزو مغولي كان قد أصابها بمصائبه في عام 1401 وشنَّع بأهلها لمدة 20 يوما من زمن عمر يفوق 12 ألف عام .. ولو بقدر يسير..هو فعل مهملا إذا ماقيس بما فعلته بها آلاف الأحداث على مر العصور وبألوف السنين.
من هم أهل دمشق اليوم ؟
وقد انتقلت بتسارع من عدد سكان 350 ألف عام 1950 الى أكثر من 44 ملايين (بإهمال سكان ريفها القريب والبعيد) هم من بكيان حيوي متصل… وهم ما زالوا يُعرفون بأنهم حول الأموي مُكتظون.
وهم من يُدركون أن رموز قوتها في التاريخ وفي الحاضر وفي المستقبل هي ببقاء قاسيون شامخا.
وبقاءُ الغوطتان جنتان تتحديان التصحر والتوسع العمراني الظالم والجفاف في المناخ والمعاناة من الفقر في الفكر لدى عقول من يديرون حياتها.
الفقراء في الفكر وفي الخُلُقِ هم من يُفسدون بفسادهم العريض وبجشعهم القبيح حاضرها ويُدمرون تدميرا تمقته كل البشرية مستقبلها.
وفي بقاءِ بردى يجري في مساره العتيق متمسكا بتربته وبثقافة سيرانه…كريما مكرماً مختالاً عاشقاً لمدينته صوفياً زاهداً يبذل ما تبقى في عروقه من ماء ليُحيها …..ويجوب يمنح القوة لما تبقي من أشجار وتربة زراعية ناجية.
ويُقبِّل بردى مع بزوغ كلِّ صباح وجناتَ سورِدمشقَ صديقه الأزلي والرفيق المحارب القديم .. وبمشقة يتابع سيره قد جفَّ ماؤه وأصبح بضع قطرات من ماء للحياة منجيات.. ليصبَّ حزينا في بحيرة العتيبة المجففة التي هاجرتها طيورها وتنوعها الحيوي والنباتي … منسيٌ من نفوس بنعمة ربها في الجنتين جاحدة فهي عن نِعَمِ ربها لاهية.
يا سائلاً من هي دمشق!
دمشق هي بوتقة حضارة فريدة ترفض التهتك وكل أشكال الفناء والموت…هي شجون وروحانيات وعبق الياسمين وورد الجوري وقلق في نفوس أهلها مسكون …هل ستبقى حية مصانة بكرامة رموزها التي هي مكونات هويتها وما يميزها عن ثقافات الدنيا وهي جوهر حضارتها؟.
هل ستبقى ثقافات رسمتها دمشق بابداع فريد خالد على كل لبنة طين من نسيجها العمراني بالمدينة القديمة وحي ساروجة الأيل للسقوط؟
ثقافة التعايش البنَّاء والمشترك… والتقبل لكل انسان يسكنها ويرتشف بتذوق وبوقار من روحانياتها فيُغرم عاشقا متيماً بها… ويُقيمُ طقوس إحترام عاداتها وتقاليدها فهو بحق من أهلها من أي عرق كان أو من أي جنس أو معتقد.
في بوتقتها الحضارية دمشق بين ليلة وضحاها ترصد من سَكَنَها من الطيبين من البشر… تُزكيهم وتمنحهم صفة الأهل لها……ومن ثم تصهرهم في قالب إنسانيٍ مثاليٍ منيع.
ودائماً هي دمشق ….برقيها من ترتقي بالجميع.
وترفض أن يكون دمشقيا من يُسجل بالنفوس وهو بمكرٍ وببغيٍ وبجهالةٍ…. يرفض كل ثمراتِ هذا الانتماء الثقافي والإنصهار الحضاري المميز والفريد والعظيم.
شكراً للنشر فقصة دمشق هي قصة كل مدينة عربية اختزنت الفريد والخاص بها من التراث البشري من نتاج ثقافات متعددة وحضارات عظيمة متراكمة فيها تضافرت كل الجهود من المقومات الطبيعية التي في دمشق هي الرمز الأول جبل قاسيون المحيط بحوض دمشق كأنها سور عظيم . والرمز الثاني نهر بردى وروافده وما منحه من قوة حياة
وتطور وازدهار للمدينة حين تدخلت عبقرية الانسان السوري منذ الآراميين في تفعيل ذلك المورد المائي الصغير لتكون هنالك مساحات شاسعة من البساتين على حساب الصحراء..ومن الغطاء النباتي والتربة الخصبة في تحدي لبادية الشام ولكل عوامل الجفاف والندرة المائية والتصحر.
فكان الرمز الثالث هو الغوطتين أهم مصدر لقوة المدينة واستدامتها والأمن الغذائي والطوق الزمردي الجمالي…
وللرمز الرابع المدينة القديمة حكاية ذلك النسيج العمراني الذي تحول بفعل إرادة الانسان في المجتمع وما اكتسبه لأجيال متعاقبة من العادات والتقاليد والاتجاهات التعصبية الايجابية وقبول التنوع في الثقافات والتعدد في
المعتقدات والمهارات والابداعات من نسيج من طراز التخطيط اليوناني فالروماني الشبكي المتعامد القاسي والمفرغ من المحتوى الانساني الى نسيج عضوي ينمو ليتفاعل بقوة مع الخصوصية الثقافية والاجتماعية للسكان الذين هم من يعتبرون بحق أهل دمشق من جعلوا مدينتهم كما أرادوها بوتقة للتعايش والبناء والمشترك وطرقها وحاراتها هي طرق لحرية في الايمان توصل لحقيقة وحدة الخلق والخالق الواحد هو للجميع ..جعلوا من كل بيت غسحة سكن وحياة تلتقي بها الماء والشجر والسماء وكل بديع الفنون وأجمل عطاءات الحرف اليدوية التقليدية في العمران والملبس والمآكل..
فأهل دمشق هم من تمكنت فيهم ثقافة حماية واستدامة الرموز الأربع للمدينة ومن يقاوموا اغراءات الحداثة والطمع والجشع والفساد ..وليسوا هم من يسجلون على اسمها في دوائر انفوس ويبخلون عليها بالجهود المعنوية والمادية والعملية بهدف نبيل هو درء المفاسد والأخطار عنها
وأكرر عظيم شكري للنشر فلولا دمشق ما كانت طليطلة..دمشق مدينة نور وعشق لكل العرب ولكل البشرية