جسر الذاكرة بقلم د.فراس محمد الحميدي
نشرت بواسطة: samira mahassine
في أدب الكتاب
22 أبريل، 2017
1,527 زيارة
جسر الذاكرة
في عادةٍ أدمنتها منذُ نزوحي قبلَ أَربعِ سنواتٍ، أمسكت هاتفي المحمول بيدي، وجلست وحيداً في الغرفةِ المظلمةِ إلا من الضوء الصادر عن شاشة الهاتف، أُحرِكُ إصبعي على الشاشةِ نزولاً وصعوداً، ألتقِطُ أخبارَ مدينتي البعيدةِ كنجمةٍ في ليل النزوح الكئيب، فجأةً تَوقَفَ إصبعي عن الحركة كأنهُ شُلَّ ، فتحت عينيَ مذهولاً، فانعكست الصورةُ من شاشة الهاتفِ على زجاجِ العينين بوضوحٍ تامٍ، أنظرُ إلى الصورة غيرُ مصدقٍ ما أراه، أتفحصها بلهفة عاشقٍ يرى صورةَ المحبوبِ الغائب، تلاطمت الأمواجُ في العينين عالياً، وتمسّكَ الدمعُ بالأهدابِ كقطرات الندى، فامتزجت مشاعري امتزاجَ ألوانِ الصورة في العينين الدامعتين، استنجدت بذاكرتي، أُلملِمُ الأجزاءَ الناقصةَ في الصورة، أضعُها في مكانها، جاهدتُ بيأسٍ أُرمِمُ الصورةَ في عيني، أَمسحُ الدمعَ بيدي تارةً، وبقلبي أَسندُ الأجزاء المتهدمةَ تارةً أخرى،وفي غمرةِ إنشغالي جاءت المدينةُ من أقصى الذاكرة تسعى ، طفلةً سمراءَ بشعرٍ أشقرَ كسنابل القمح في حزيران، وعينين سبحان المعبودِ ، لؤلؤتين من الجنة ، تَركضُ حافيةً داميةً على جسر الذاكرة الذي راحَ يَتهدمُ رويداً رويداً، تُلوحُ بيدها، علّها تَجِدُ مَنْ يُنقِذَها، ينجدها، يَردُ السلامَ عليها ولها، ودوت صرختها المكتومةُ في قلبي : وارشيداهُ، وامنصوراهُ، فعادَ الصدى دون مجيب، مددتُ يدي ،أُريدُ مساعدتها ،لكن الدمع راحَ يمسحُ الصورة من عيني كلوحةِ ألوانٍ مائيةٍ أصابها رذاذُ الماءِ ، إذْ ذاكَ انطفئَ ضوءُ الهاتفِ المحمول، فأظلمت الغرفةُ كقبرٍ، كليلِ النزوحِ الطويل، كغربةِ العاشقِ في قلبِ محبوبه، وتقطّرَ الدمعُ يَرسمُ في سويداءِ القلبِ الندي المرتعشِ كوردةِ الصباح، صورةَ الجسرِ المهدمِ على أطرافِ درةِ الفرات.
د.فراس محمد الحميدي/سوريا
2017-04-22