أخر المستجدات
الرئيسية » آخر الأخبار » جلنار …….بقلم الأديب علي الشافعي ….. وكالة الراي العربي ….

جلنار …….بقلم الأديب علي الشافعي ….. وكالة الراي العربي ….

جلنار بقلم علي الشافعي 
أتعرفون ــ امد الله في عمركم ــ الجلنار , وعلى ماذا تطلق هذه التسمية , ومن اين اتت , وهل سمعتم بأشهر جلنار في التاريخ . ولمن لا بعرف اقول :
الجلنار ــ ايها السادة ــ اسم لزهرة شجرة لا يكاد بستان او حديقة منزلية في فلسطين وبلاد الشام وحوض البحر المتوسط يخلو منها . انها زهرة شجرة الرمان احدى الذ واشهى الفواكه على الموائد , او شرابا منعشا ومرطبا في صيف هذه البلدان الحار . وجلنار تعريب للكلمة الفارسية (كلّنار) التي معناها ورد الرمان أو زهرة الرمان ، حيث تعتبر من أكثر الأشجار التي تحرص البيوت على زراعتها في الحدائق المنزلية لتضفي نوعاً من الحياة والجمال والدفء على البيوت الخارجة للتو من فصل الشتاء ,انها احدى الفواكه التي ورد ذكرها في القران الكريم في اكثر من موقع على انها من ثمار الجنة , قال تعالى (( فيهما فاكهة ونخل ورمان )) .
ذكرت كتب التاريخ أن شجرة الرمان وجدت مرسومة على جدران مقابر تل العمارنة في عهد اخناتون ، ويقال ان أحد ملوك الفراعنة ويدعى تحوتمس احضر معه الرمان الى مصر من آسيا ، وكذلك زرعت شجرة الرمان في حدائق بابل المعلقة لما تحظى به من مكانة واهتمام . ويطلق كثير من الناس اسم جلنار على فتياتهم , لما للاسم من لفظٍ جميل ونطق سلس , يعبر عن جمالية المعنى الذي تشير إليهِ , وكونها من الأزهار حسنة المظهر مريحة لعين الناظر , وقد نغني الشعراء على مر عصور الادب بزهر الرمان فقال احدهم :
يا زهرةَ الرمانِ مـن فـرطِ العَنـا خطوي ابتدا لمـا التقى بخُطـاكِ
سِرنا سوياً والطريــق مُضْلِـلٌ ما كـان يهدينـي سـوى مَـــــرْآكِ
لكن كثيرا من الناس لا يعرفون ان هناك زهرة ادمية تتنعم الان في جنان الخلد , انها (جلنار) صاحبة اشهر صرخة في تاريخ الاسلام , (( واإسلاماه )) تلك الصرخة التي قلبت الموازين , وجلبت النصر للمسلمين في معركة من اشهر معارك التاريخ الاسلامي , معركة عين جالوت التي دارت رحاها على الارض المباركة ( فلسطين ) , بين المسلمين واعتي قوة باطشة همجية عرفها التاريخ ( المغول ) بعد ان كادت تدور عليهم الدوائر, انها جلنار من عظيمات النساء اللواتي اثمرتهن شجرة الاسلام , بعد مئات السنين من زمن الصحابيات , انها زوجة القائد المظفر قطز . تعالوا نبدأ القصة من اولها بعد ان تصلوا على الحبيب المصطفى :
جلنار – واسمها الحقيقي جهاد – هي ابنة جلال الدين بن خوارزم شاه ، وزوجة بطل معركة عين جالوت سيف الدين قطز وابنة عمه وقد عاشت جلنار حياةً عصيبة مليئةً بالأخطار والمواقف الحرجة ، وتجاوزت كل مراحلها بصبر وعزة وثبات وإباء، لتواصل حتى النهاية الخالدة المؤثرة التي تركت بصمتها على صفحات التاريخ , فيحدثنا عنها بعز و فخار.
فتحت جلنار عينيها على الحياة ، وحال الامة مزرٍ كحالها هذه الايام وربما اشد ، فقد كان العالم الاسلامي آنذاك يتعرض لحملات ابادة من قبل الصليبين والتتار ، وتحكمه طغمة من حكام انذال , اساد على الامة ثعالب في ميادين القتال , يتآمرون على بعضهم وعملاء للصليبيين والتتار في ان واحد . ترعرعت جلنار في جو الحرب والقتال ، وعانت التشرد والأسفار هرباً من المغول ، وطلباً للنجاة من اجرامهم الذي لم يكن يوفر امرأة او طفلا او شيخا كبيرا , بل كانوا كالجراد يلتهم كل ما يصادقه او يقف في طريقه . ولعل من اسوا ما تعرضت له انها تحولت الى جارية ، بيعت هي وابن عمها محمود ( قطز ) في سوق الرقيق , مع أنها ابنة ملك كبير كُتبت عليه الهزيمة أمام التتار , وطوفت بهما الاقدار ما شاء لها ان تطوف , من خوارزم الى الهند فبغداد والشام , الى ان استقر بهما المطاف في مصر عند السلطان نجم الدين ايوب , الذي راى علامات النجابة على الفتى محمود فالحقه بالجيش والحق ( جلنار ) بجواري السيدة شجرة الدر , وما هي الا سنوات حتى اصبح قطز سلطان البلاد فحرر ابنة عمه وتزوجها .
اشتد خطر المغول على ديار الاسلام بعد ان دخلوا بغداد عاصمة الخلافة العباسية وقتلوا ودمروا وشردوا اهلها , ثم توجهوا للشام فسقطت دمشق ايضا بأيديهم , وفعلوا باهلها ما فعلوه في بغداد , ثم جهزوا انفسهم للتوجه الى مصر لاستئصال الاسلام من الشمال الافريقي برمته , فما كان من السلطان قطز الا ان جهز جيشا خرج على راس الجيش مع زوجته جلنار وقائده الشهير ركن الدين (الظاهر بيبرس ) . والتقى الجمعان على ارض عين جالوت شمال فلسطين حيث دارت رحى معركة ضروس كادت تقضي على الجيش الاسلامي برمته .
روى المؤرخون أن اربعة من المغول هجموا على قطز , الذي استطاع أن يقتل ثلاثة منهم , في الوقت الذي حاول فيه رابعهم طعن قطز من الخلف , وكاد ينجح لولا ظهور فارس مقنع , اشتبك مع الفارس المغولي وتبادلا طعنتين قاتلتين ازهقت الروحين ، روح الفارس المغولي وروح الفارس المسلم الملثم . وصعق قطز عندما اكتشف أن الفارس الملثم الذي انقذ حياته وحياة أمة الإسلام آنذاك لم يكن سوى زوجته الحبيبة ” جلنار” . فما كان منه لهول الصدمة إلا أن اكب عليها صارخا “وا حبيبتاه ” فصاحت به : لا تقل واحبيبتاه …. بل قل ( وا إسلاماه ( .
افاق قطز من ذهوله وصرخ ( وا إسلاماااااااه ) فالتف حوله أسود الإسلام من جديد بعد أن حركت ( وا إسلاماه) البركان الكامن في صدورهم حبا لله والإسلام والاستشهاد في سبيل الله , فانتزعوا النصر من بين براثن جيش المغول والتتار الذي اشتهر بانه الجيش الذي لا يقهر . فكانت تلك الصرخة التي قهرت الجيش الذي لا يقهر (وا إسلاماه) التي ما رفعت في معركة بإخلاص إلا حققت النصر لأمة الإسلام .
وتظل ذكرى جلنار ــ ايها السادة الافاضل ــ عالقة في الأذهان ، في صفحة تاريخية مشرقة , تُبرز عظمة الفداء والوفاء ، وتُظهر أروع صور التضحية النسائية المجيدة في تاريخ أمتنا الحافل بالصور العظيمة المشرفة . صورةٌ نضعها بين يدي اخواتنا وبناتنا , لعل البعض يجعلن من جلنار مثلا لهن يقتدين به . طبتم وطابت اوقاتكم .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.