أخر المستجدات
الرئيسية » مقالات » ســي السيد… مقالة بقلم علي الشافعي

ســي السيد… مقالة بقلم علي الشافعي

ســي السيد
مقالة بقلم علي الشافعي
قديماً ــ يا رعاكم الله ــ على عهد آبائنا وأجدادنا كانت ظاهرة (سي السيد) هي الظاهرة السائدة في أغلب بيوت بني عرب . (وسي السيد: تعبير مصري شعبي ابتكره الأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ في الثلاثية الرائعة: بين القصرين، قصر الشوق، السكرية) ويعني ببساطة: الزوج المتسلّط المتجبّر، الآمر الناهي، الذي إذا دخل البيت أثار الرعب، وهرب الجميع من وجهه، وبقيت الزوجة المسكينة تنتظر الأوامر ـــ كجارية من جواري السلطان في قصص ألف ليلة وليلة ــ وتنفّذها بأسرع ما يمكن، فاذا جلس يجلس عابس الوجه عاقد الحاجبين مقطب الجبين، وربما نهرته الأم إذا رأته ليّناً أو يضحك مع زوجته، تماماً كما عيب على نمر بن عدوان في المسلسل البدوي الشهير، عابوا عليه أنه يأكل مع زوجته، وأنّ زوجته تناديه باسمه دون كنية.
هكذا كان العرف السائد، فعيب كبير أن يحب الرجل زوجته أو يمازحها خاصّةً أمام حماتها. والزوجة أصلاً لم تستشر في أمر الزواج كله، ولم يكن لها أي رأي، لذلك فهي تلبي رغباته مع فروض الولاء والطاعة. يجلس على سرير الملك فتأتي مسرعة وفي يدها إناء وإبريق ماء، يضع رجليه في الإناء وتقوم بغسلهما وتدليكهما ثم تجفيفهما، بعد ذلك تحضر الطعام على وجه السرعة وعادة ما يقدم له أطايب الطعام، في عصر شحّت فيه اللقمة الطيبة, وبعد أن يشبع هو تأكل بقية الأسرة مما تركه سي السيد حامدة شاكرة فضله، هذا ما كان يحدث فعلاً في أغلب البيوت , وهذا هو العرف السائد الى زمان ليس ببعيد.
في هذا المجتمع تقوم المرأة بكل شؤون البيت؛ من طبخ وكنس وحلب للماشية وصنع الأغذية وتخزينها لأوقات الشدة، وتقف إلى جواره تفلح الأرض، وتحصد وتدرس وتخزّن. وعليها العبء الأكبر في إعالة الأبناء، وبمجرد أن يكبر الولد الأكبر يصبح نائب أبيه في الأمر والنهي، أي إنّ مجتمعنا آنذاك كان ذكورياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فالمرأة ترى في زوجها السيد المهاب حامي الحمى ــ إذا جد الجد وحزب الأمر ــ الفارس المغوار الذي لا يشق له غبار، ولا تستباح له ديار , ولا تنطفئ له نار .
لكن الحروب ــ أيّها السادة ــ تغير الأحوال ،وتبدل العادات وربما القيم . بقي الحال هكذا إلى أن وقعت نكسة عام 1967 بين العرب من المحيط إلى الخليج، وبين حفنة من اليهود. وكما يقولون: الحرب تكشف معادن الرجال، فهزم الجمع وولّوا الدبر، وسُلِبت الديار، ولم تحمَ الذمار، وأطفئت النار , فتخلخلت مع هذه الحرب كثير من القيم، من بينها هيبة الرجل العربي بشموخه وسطوته وشواربه المفتولة.
تقول الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان في إحدى مقابلاتها التلفزيونية: كنا نعيش في بيت سوره بعلوّ ثلاثة أمتار، ما كان يسمح لنا بالخرج منه إلّا للضرورة القصوى وبرفقة أحد رجال الأسرة، حتى وقعت الحرب وحصلت الهزيمة، وكسرت شوكة ذلك الأسد المهاب , فأصبحنا نخرج ونزور الأسواق. ثم توالت الهزائم وتجرأت المرأة على الخروج أكثر، وفقد (السيد المهاب) سطوته شيئاً فشيئاً، وتحررت المرأة بالوتيرة نفسها، وتعلّمت فنافست الرجل في سوق العمل، وقاسمته لقمة العيش، وأنزلته من عليائه، وجلست مكانه تأمر وتنهى. فاختلت قوانين الطبيعة إذ هجرت البيت، وتركت مكانها للخادمة ومهّدت الطريق لزوجة ثانية تحل محلها. إذن أيّها السادة نحن قوم لا توسط بيننا، كما قال الشاعر العربي أبو فراس الحمداني:
ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر
وبعد ــ ايها السادة الكرام ــ فاليوم ما عادت المرأة تعبأ برأي زوجها, إلا إذا نسي يوم ميلادها أو زواجهما الميمون فيحضر لها هدية , أو لم يبد إعجابه بفستانها الجديد أو مكياجها أو تسريحتها الجديدة , فتقوم قيامته وينتصب الميزان وتكال السيئات , وتترك الحسنات . كان الله في عون الرجال . طابت أوقاتكم .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.