أخر المستجدات
الرئيسية » آخر الأخبار » غرفة الجلوس …… بقلم الأديبة نيرمينة الرفاعي….

غرفة الجلوس …… بقلم الأديبة نيرمينة الرفاعي….

غرفة الجلوس / بقلم نيرمينة الرفاعي

قررت الليلة أن أنام في “غرفة الجلوس”، هي تسمى كذلك مع أنني لا أعلم من أعطاها هذا الاسم الغبي ولكنني سأكون غبية وأسميها هكذا لأكون مفهومة لكم على الأقل، فمن غير المنطقي أن أسميها “غرفة الوقوف” مثلا لأنني أفهم أنكم لن تفهموا عليّ.. أفهمتهم عليّ؟
الكنبة لا تشبه سريري، هي أضيق ولكنَّها ترتفع عن شمالي بظهرها الذي يسند طرفًا كاملًا من جسدي بعكس السرير المفتوح من الجانبين والذي نقلتني إليه أمي حالما توقفت عن السقوط عنه قبل سنين أكثر مما أعدُّ أو تعدّون! وكأنها كانت تعتقد أن عدم السقوط هو إشارة كافية إلى أنني “كبرت”.. قرأت قبل فترة أن العقل الباطني لديه القدرة على تحديد إحداثيات الجسم بالنسبة للسرير وبالتالي يتحرك ضمن محيطها دون أن تقع حوادث الوقوع عنه إلّا ما قلّ وندر.. لا أعلم مدى صحة الدراسة ولا أعلم قدرة عقلي الباطني على تحديد إحداثيات جسدي ولكن فلنتصور الأمر على النحو التالي:أصطدم بالأثاث والطاولات أثناء المشي وأنا بكامل صحوتي، أين يكون عقلي حينها؟ لا أعلم! وأحيانًا ينكمش جسدي على نفسه وتضيق خطواتي في الطرقات الواسعة والفارغة، ما الذي يدور بعقلي حينها؟ لا أعلم أيضًا!
بعيدًا عن هذه النقطة التي لا أعلم أشياء كثيرة حولها، لم أحمل ملاءات السرير معي واكتفيت بقدرة قماش الكنب السميك على امتصاص أرقي، مع أنني لا أستطيع إسقاط صحوي في خانة الأرق حيث أنني تناولت كمية كافية من الكافيين تكفيني لأبدأ دوام بعد غد، الآن!
وبعيدًا عن الدوام، منذ فترة ليست بقصيرة أشعر بحاجة ماسة إلى الذهاب إلى البحر، و”الذهاب” هنا فعل أشبه “بالعيش” لا مجرد “الزيارة والاستجمام”، رغبتي تقلصت جغرافيًا مع الوقت، كففت عن التفكير بفينيسيا وأزقتها العائمة وانتقلتُ تدريجيًا إلى صديقي البسفور في تركيا ثم أقنعت نفسي بجمال الطقس في شرم الشيخ في هذا الفصل من السنة، ثم انحسرت أحلامي كموج الصيف، ووصلت بخيالي إلى العقبة التي لم أصلها أيضًا لأنني لم أشعر بجدوى خوض الطريق الصحراوي البشع ورمله وأسفلته المشقق.. وهكذا وجدت نفسي يومًا في البحر الميت كأبسط الطرق إلى روما خاصتّي، أو إلى الملح الذي أحتاج إلى نقع نفسي فيه بشدة من الصعب أن يفهمها أحد لأنها أيضا غير منطقية!
أمّا لماذا أقول لكم كلّ هذا الكلام عن البحر فلأنني لم أصل إلى البحر الميت أيضًا إلّا في أحلام اليقظة على الكنبة اليوم، ربما يكون السببُ هو الستائر الزرقاء المائلة إلى الكحلي كالبحر في أوج غضبه!
“البحر الغاضب”، يا إلهي كم يبدو هذا المصطلح مستهلكًا ولكنني لا أستطيع الفكاك منه لأنني لا يمكن أن اتخيله إلّا غاضبًا، هو الممتلئ بنظرات الغرقى الأخيرة والسفن الراحلة فكيف له ألّا يغضب؟ من الغريب أنني أتهم السفن دومًا بفعل الرحيل مع أنني أعلم أنها غالبا تحط رحالها في مكان ما، أي أنها تمارس فعل المجيء أيضًا! ولكن هذا لا يسقط عنها ذنب أنها دائما ترحل من مكان ما، أقدم من المكان الثاني، مما يصنف المكان المغادَر تلقائيًا في خانة المكان الأوّل الذي أعطيته أحقية البقاء فيه دون مبرر منطقي أيضًا!
وعلى ذكر الأشياء غير المنطقية شعرت الآن فقط بأنني أفرغت شحنة غضبي بشكل غير منطقي قبل أيام في وجه “س” من الناس، ذلك الذي تغاضيت عن تصرفات ضايقتني منه لمدة طويلة، طبطبتي على غضبي لم تخففه، بل جعلتني “أنبحت” عليه مرة واحدة، وأتى وصف “الانبحات” على تصرفي كردة فعل له على ردة فعلي، وكأننا نتقاذف ردود الأفعال دون أن نعلم تمامًا من اخترع الفعل أساسًا ولمَ صار ما صار عليه!
هل شعرت بتحسن عندما ضايقته؟ لا! هل يخفف ذلك من سوء ما أفعله؟ لا! كوني إنسانة سيئة هو أمرٌ تعايشت معه وتأقلمت عليه كما يتأقلم التفاح مع دوده! ومن أعطاني الحق بالتكلم على لسان التفاح والادعاء بأنَّه “متأقلم” مع دوده؟ لا أعلم أيضًا ولكنني إنسانة سيئة وهذه حجة أستطيع استخدامها لرمي الأشياء غير المتكلمة باتهامات على لساني الخاص!
وعلى سيرة الصفات السيئة لا بدّ من ذكر أنني أتعب من البقاء في ذات المكان لفترة طويلة، أتعبُ حقًا وكأنني كنتُ أركض في ماراثون أو ما شابه ذلك! التنقل يريحني حتى لو كان بين السرير والكنبة، من المؤسف أنني لم أكتسب من برجي صفات الثبات وحب الاستقرار، لم أكتسب من الجدي سوى تياسته ويباس رأسه. وها انا أقترف نفس الذنب مجددًا وألوم برجي على ما لا لوم له فيه! أما كيف تتداخل المواضيع ببعضها البعض فهذه أيضًا لها حجتها وأستطيع التعلل بالتشابك الذي يدّعون وجوده في طبيعة عقل المرأة والذي يقابله “الصندوق” الواحد في طبيعة عقل الرجل! أرأيتم؟ أنا أجد حجة لكل شيء وهذا أمر سيء للغاية! حتى أنني أستطيع إقناعكم بجدوى كتابة هذا الكلام مع أنني لا أعلم في أي متاهة أسير، أو تسيرون!
ولا أعلم ماذا تتوقعون أن تروا في خاتمة هذا الكلام ولذلك لا أعلم كيف أخيب آمالكم، ولذلك لن أقول شيئًا أكثر مما قلت، الآن على الأقل!

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.