أخر المستجدات
الرئيسية » أخبار ثقافية » قراءة نقدية للدكتور حسن نرايس، في ديوان “ريح الخاطر” للشاعر المغربي حميد بوكا .

قراءة نقدية للدكتور حسن نرايس، في ديوان “ريح الخاطر” للشاعر المغربي حميد بوكا .

قراءة نقدية للدكتور حسن نرايس،
في ديوان “ريح الخاطر” للشاعر المغربي حميد بوكا .

قال شاعر:
بلاد ألفناها على كل حالة…وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن
وتستعذب الأرض التي لا هواء بها…ولا ماؤها عذب ولكنها وطن
وقال شاعر آخر:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة …و أهلي وإن ضنّوا علي كرام
وقال شاعر ثالث:
حنينا إلى أرض كأنّ ترابها… إذا أمطرت عود ومسك وعنبر.
بهذه الأبيات الثلاثة، نقتحم عوالم ديوان الزجال حميد بوكا الذي اختار له من العناوين:” ريح الخاطر” وسنعود إلى العنوان لاحقا. البلاد، والأرض والوطن، ثلاث كلمات تتردد عبر صفحات الديوان، والقاسم المشترك بينها مفردات كٓلب أو قلب أو كٓلبي، لاحظوا معي، نقرأ كلمة الأرض سبع مرات، وكلمة البلاد أو بلادي عشرين مرة، وكلمة الوطن ثلاث مرات، وإذا جمعنا العدد سبعة زائد عشرون زائد ثلاثة يصبح المجموع هو ثلاثون، وثلاثون هو عدد وجود كلمة الكٓلب او عبارة كٓلبي او قلب أو قلوبنا في الديوان، والذي يجمع البلاد والأرض والوطن بالقلب أو بالكٓلب هي كلمة الحب، وهي موجودة مرة واحدة في ثنايا الديوان، فهناك حبٌ واحدٌ، إذن حبٌ للوطن وحبٌ للأرض وحبٌ للبلاد وهذا هو مربط الفرس في الديوان، بل قُل هذا هو القلب النابض لحياة الديوان، من كلمة ريح الى كلمة هؤلاء ، وبين الأولى والأخيرة يرحل بنا الشاعر رحلة الشتاء والصيف، يرحل بنا بأسلوب سلس ولغة جميلة ببساطها و بسيطة في جماليتها، يسافر بنا بلغة مباشرة عبر تراث وعبر موروث شعبي أصيل، من الأرض إلى الأرض، ومن الوطن إلى الوطن، ومن تربة البلاد إلى تربة البلاد، ومن التربة الحقيقية إلى التربة الحقيقية، فلنستمع ما جاء في الديوان، أشجار الصفصاف، حلايس الدُّوم والقنّبْ، عرصة الليمون، شعير المطورة، الغلة، السّانية، الخيمة، الساكٓية، الدَّالية، الناعورة ، العرصة، الصواني والكٓلسة، نسمة الليمون ،أشجار الزيتون، لشجار العالية، تكربيل العتلة،الحمامات الطوبيات، كرموس السلَّة، الزرار من الكٓصب، لوْتَد والتمُّون،ضي النجوم، الكدية والواد، واش شمس العرعوري و العرعوري جبل في أولاد بوزيري اختفى بوجود الطريق السيار وكان الألم بعد الحب، هناك إذن في القصيدة حبٌّ مرتبط بالحزن، فالقلب مقرونٌ بالحب والجراح الشاعر يتألم، والقصيدة تعود بأنين خفي إلى ماض ولّى.
يقول الشاعر:
يا ذوك النخلات العاليات لله واش راكم مازال حيَّات
حبكم ساكن الروح والذات وما جيتكم حتى الخاطر تهولات
هنا نجد كلمة الخاطر التي هي في العنوان، مرتبطة بتناسي الماضي والتفكير في اللحظة والآن، الخاطر يتغلغل في الكيان، بل هو الكيان، بل هو الذات، بل هي النفس الأمارة بكل الأحاسيس ومشاعر الإنسان.
يقول الشاعر:
ريح الخاطر يا لخوان كتعصف كيف العادة
مرة جايبة لحزان مرة جايبة السعادة
منبعها قلب الإنسان خارجة دون إرادة
تهيّج امواج الكيّان ولغيام لكلام كـوّادَة.
إذن وعلى هذا الأساس ريح الخاطر أو رياح الخاطر إن صح التعبير، تهب لكي لا يموت الإنسان، لكي لا يفنى الإنسان في الإنسان، ولكي لا يموت الإبداع في بني الإنسان.
هنا ربط منسجم بالماضي من أجل الحفاظ على الهوية المغربية، وهناك مرجعية الشاعر التي تحدد ما يميز الماضي عن الحاضر، ولا تعتقدنّ بأن هناك انفصام، بل هناك استمرار، هناك ارتباطات، نعم هناك الصراع، نعم هناك النزاع، نعم هناك القلق، وهناك أيضا انتصار الحب والمحبة، انتصارٌ للأمل. يقول الشاعر:
آجي نتعانقو نحييوا الجذور المردومة
بدموع الفرحة نسقيوا ازهار و ورود و ياسمين
اللي ضاع البارح نخلفوه اليُوما
الحب في اعماقنا مازال عروقو حيّين
قصائدٌ ملك للجميع في النص، وفي متناول الجميع، قصائدٌ متماسكة جلُّها بعيد عن التناقض والتنافر، هناك ميل، هناك نزعة، هناك نزعة تشبع بها حميد بوكا من بيئته الاجتماعية، واستعملها بذكاء وأطلقها أنغاما عطرة.
فلنستمع:
رسمت احلامي بين الكدية والواد تعلمت نجالس اولاد لجواد عاشرت الخماس وعاشرت الراعي عاشرت الدرويش والمسكين ومنهم تعلمت شروط لوفا تعلمت ما نخالف الميعاد حرثت وكربلت بدراعي وعرفت معنى عرق الجبين عرفت معنى الكفاح والجهاد في مدرسة الحياه قريت.
وكل هذا يقوله الشاعر للتعبير عن شاعريته، يقول:
عرفت كيفاش نخط حروفي بدواية ومداد عرفت كيف ندون سيرتي في كتابي ونلخصها في سطرين عرفت حتى انا كيف نتعمق في لغة الضاد عرفت كيف نسلك دروب المعنى والقوافي وننظم الكلام الزين.
ها نحن هنا والآن سنستمتع بالمعنى والقوافي وتنظيم الكلام الزين، وحميد بوكا إذا وعد وفى. ومايثير أيضا في ديوان حميد هو عمق الإستعارة والتشويق، فهو لا يستعمل كلمة كيف للتشبيه بقدر ما يستعمل مثل، وذلك للتقريب أكثر عمقا. يقول:
بذيك القوافي مزينة الديوان مثل الجيوش حارسة لحدادة مثل لحجار مرصعة في التيجان مثل اسراب الطيور الغرادة.
تشبيه جميل والعمق أجمل.
هل قدر الحب أن يكون محتوما ياولدي ؟
نعم الحب يوقد الروح كما توحي القصائد في ديوان حميد، والحب يحتاج الى نفس طويل وفي القصائد نفس طويل.
حبك انتِ ساكن لدخال وبزاف كنغير عليك شوفة الغدر حتى في الخيال مانبغيش اللي يشوفها فيك.
كلما يستمر الحب في القصيدة، كلما ترتفع دقات القلب وتخترق النص، ويبقى الشاعر أسير الحب والقلب والقلق، الشاعر يحب، الشاعر يحلم، الشاعر يتمرد، الشاعر في مواجهه العبث والقلق،الحب يحارب الألم في القصيدة، أنا أحب إذن أنا حر، هكذا يقول حال لسان الشاعر ثم إن الحب ليس إحساساً فقط وله شعور فحسب، بل هو أيضا فن من فنون الحب، الحب يواجه الأوجاع ويحارب الضياع ويتمرد عن الظلم في الواقع وينفض عنه غبار القساوة والمأساة.
عفاك بلا بكا بلا حزن بلا أنين
خلي ذيك لسباب خليها مكتومة انتِ عارفة وانا عارف اليقين
ماذنبك ما ذنبي ذنبهم هوما هاذوك الحساد كٓلُوب المنافقين ذوك العقول الجامدة ولخلاق المعدومة
آشنو رباحهم ايلا بيننا مفرقين.
هنا خطاب عقلي صريح، وهناك البناء المحكم و القائم على التضاد والمفارقات، ثم إن القراءات هنا الآن فيها قراءات تفاؤل في تعاملها مع النص الشعري، قد تكون الأفكار مبعثرة هنا وهناك ، لكن القصائد ليست مبعثرة بحال، هناك البناء ووحدة الموضوع وحدة عضوية أحيانا.
وهنا يتساءل الشاعر…؟!
واش محنة ولا سعد كان راكٓد واليوم عاد وصل فياقو
مركب غرامي تاه في بحر هواك ما عرفت واش انا من الناجين ولابيَّ ناوي يغرق ويزيد في تغرقو يا راوي حكايات العاشقين فيدني من ذوك السابقين نعرف الشك من اليقين نعرف تكذاب الحب من تصداقو.
لاحظوا معي…. لاحظوا معي أن الأبيات ليست متنافرة الأجزاء، ولاحظوا معي أن اللغة ليس فيها خمول أو جفاف، ولاحظوا معي التعبير الجميل عن الذات المجروحة الغائرة بالجرح.
تيه المركب في بحر الهوى قد يغرق ويزداد غرقا في حالة لو أعرف أن البحر عميق جدا ما أبحرت.
صادقا أقول قصائد باطما العربي، والسوسدي خونا، وشهيد الكلمة السي محمد باطما،
أعتقد أن هذه القصائد الصادقة النابعة من القلب والوجدان، هذه القصائد الثلاث لا مكان لها بهذا الديوان الشيق، مكانها باعتقادي في ديوان آخر يغوص أكثر ويتعمق اكثر في المرثيات، ويقيد نفسه داخل لغة تملؤها المشاعر والأحاسيس، هنا أختلف مع الشاعر بعيدا عن اللغة العاقلة التي أسعفته في القصائد الأخرى مثلاً لاحصراً قصيدة المهزلة جميلة جداً، الشط حزين، ماشي لخاطري، أنا لحمق، فقدت صوابي، أنا البوهالي ، لا تهجرينيش، هنا يفقد الإنسان صوابه ويصبح بوهاليا ويصبح أحمقا ومجنونا، وليس الجنون إلا جنون الإبداع.
وأخيرا إليكم ماجادت به قريحة شاعرنا الجميل حميد وهنا يعدنا بنفسه يعطينا وعداً بالمثابرة والسير قدما بخطى ثابتة وباجتهاد يقين، يقول الشاعر كل ما أنا عايش يا سيادي في هاذ الوطن الحنين مازال نزيد علم مازال نزيد اجتهاد اللي تعلمتو في هاذ الارض هاذي ما تعلمتو في الصين ما قطعت عليه بحر ولا واد في ثقافة بلادي وأصالة اجدادي الكنز الثمين بيهم مازال نوصل ونجني كل الفضل ونحقق لمجاد، ولا يسعني هنا إلا أتمنى لك ما تتمنى لنفسك عزيزي حميد، فأنت واعد وواعد جدا وستحقق ما تصبوا إليه،
وما الغد ببعيد، وبالطموح وبالإرادة ستكون كتاباتك شرفا لنا جميعا ،دمت متالقا أيها الحميد.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.