أخر المستجدات
الرئيسية » آخر الأخبار » قطار الزمن..رواية بقلم عبد الكريم الوصيف

قطار الزمن..رواية بقلم عبد الكريم الوصيف

الباب الثاني
الفصل الرابع عشر
رواية قطار الزمن

الاماكن
اقلعت الطائرة الفرنسية وغادر مكرم باريس مع أسرته كما غادرها ذات صائفة قبل عقد من الزمن حين كان طالبا بالجامعة التونسية على وشك التخرج..
تذكر عند إقلاع الطائرة كيف وقف وحيدا ينظر إلى صديقته الامريكية التي وقفت بأعلى درج من سلم الطائرة تلوح تجاهه بيدها تحية الوداع ووقف مسمرا الي الحائط البلوي المطل على الطائرات الرابضة خلفة تستعد لا ستقبال الركاب إلى أن غادرت الطائرة واختفت في الاجواء ومعها قصة من قصص شباب مكرم وطفولته..
. وفكر في مروره مع أسرته بنفس المكان بعد عقد من الزمن والوداع الذي حضي به من ذالك اليهودي الفرنسي التونسي. لقد جال بخلده قدر الإنسان وقوته وضعفه أمام ارادة الله.. ارتفعت بهم الطائرة تاركة مدينة الانوار خلفها ومعها جزءا من ماضي مكرم وحلق خياله في أجواء الذاكرة مع تحليق الطائرة وهي تخترق سحب الفضاء في اتجاه تونس
. تذكر مكرم طفولته واطوار حياته ومغامراته وتذكر معارك التحرير بجبال القرية ومزنجرات الجيش الفرنسي وجنوده وخوذاتهم وازياءهم الرمادية َونظراتهم الساخرة.
وتذكر ازيز الطائرات الحربية التي كنت تصب حممها على شعاب الجبال المحيطة بالقرية. وتذكر نظرات النساء يملؤها الرعب ووجوههن الممتقعة وتذكر استغاثة امه ودعاءها . ونظرات اترابه الصغار الذين كان والدهم بالجبال تحت رحمة القنابل وقذاىف المدفعية. كان ينظر إليهم مشفقا دون أن تكون له الحراة على محادثتهم عن آبائهم. كان يدرك ما في قلوبهم الصغيرة من ألم وخوف وقهر.
جالت هاته الصورة القاتمة حول فرنسا بوجهها الاستعماري وأخرى تتناقض معها تماما وهي صورة فرنسا بادبائها ومفكريها ومدافعيها عن حقوق الإنسان وحرية الشعوب. تذكر وهو في الجو الأديب والشاعر انطوان دي سانت اكسبيري. ومؤلفاته وأشعاره وحياته. لقد كان طيارا حربيا كصديقه الذي تركه بجزر القمر . وانتهت حياة الأديب الشاعر والطيار الحربي في حادث تحطم طائرته على ضفاف البحر الأبيض المتوسط قبالة مرسيليا 1944في الحرب العالمية الثانية حين احتل الألمان أروبا وفرنسا…. .
جالت تلك الخواطر والهواجس بنفس مكرم وهو في الجو يحاول ان يوفق بين وجه فرنسا الاستعماري القبيح ووجهها الحضاري العلمي التنويري الي ان حطت الطائرة بمطار تونس قرطاج.
..سيحل ابنه خالد لأول مرة بارض الوطن بجوازه القمري ويتنفس هواءها ويقلب عيناه وهو في حضن امه ووالده واقاربه ويشتم رائحة أرض الآباء والاجداد بعدما مر بأجواء كثيرة. سيعود الي تونس نبع الحياة كما تعود الطيور المهاجرة مع عودة الفصول…
لقد عاد والده بعدما حلق في اتجاه الغرب حرا طليقا ثم عاد ليحلق بعيدا في اتجاه الجنوب ثم عد من جديد ليحلق في اتجاه اخر ليعود من جديد ما دام له جناح قادر على التحليق الي ان يأتي موعد الوداع الاخير…..

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.