رواية قطار الزمن
الجزء الثاني
الفصل السابع
الباب الثالث
الحياة الاجتماعية في الرياض 1985م ١٤َ.٥ هج
بدا مكرم يتأقلم مع العمل في جامعة الرياض كما سبق ذكره وبدرجة اقل مع الحياة في الدرعية ومدينة الرياض ونجدعموما. .
لقد تعود منذ شبابه على التأقلم بسرعة في المدن الكبرى وعواصم الدول رغم الصعوبات ونفوره بحكم نشاته وطبعه من حياة المدن وما فيها من صخب وتطاحن وفوارق بين السكان وتلوث وضجيج وبؤس وصور زائفة للمعان الواجهات والإعلانات تخفي خلفها واقعا أشد ظلمة وتعاسة من الاستغلال والاستعباد للضعفاء والمشردين.
لقد اطلع على ذالك في صفحات الكتب الأدبية لكتاب الشرق والغرب ودرس ذالك دراسة عميقة وشاهد الصورة ولامسها على أرض الواقع في أحياء تونس العاصمة واحوازها حين كان طالبا بالجامعة التونسية وسكن الأحياء الشعبية لسنوات ثم هجرها الي الضاحية الشمالية اميلكار ثم هجر المدينة باكملها للعمل بعيدا ليعود إليها من حين لآخر مارا او لقضاء الحاجة….
ثم استقر بالضاحية الغربية ولكنه لم ينس احياء باب سويقة والحفصية وباب البحر وباب العلوج والقصبة وجامع الزيتونة والأسواق القديمة وغيرها…
لم ينس الدراسة الاجتماعية والزيارات الميدانية لسكان تلك الأحياء الفقيرة في نطاق بحوث منظمة التربية والأسرة التي كلفه بها استاذه في علم الاجتماع د. الصادق رابح وما شاهده من بؤس وفقر ومرض في تلك الأحياء القديمة. وكثيرا ما جعلته ينقم على ما تخفيه الأضواء البراقة خلفها. .
كما عاش بباريس لفترات متقطعة جعلته يزور أحياءها الراقية والفقيرة والحديثة والاثرية القديمة الشهيرة. كالحي اللاتيني وفرساي ومونبرناس وغيرها ونظر إليها من خلال كتاب البوساء لهيقو . وكتاب “العلاقات الخطرة” للاكلو وجيرمينال لزولا . وشاهد أضواء باريس الجذابة ليلها ونهارها وشاهد حياة المغتربين من بني جلدته من التونسيين ومن جميع الجنسيات من افارقة واسيويين وبرتغاليين واسبان ولاتينيين. ومولدين والمساكن القصديرية للعمال ومعاناتهم وظروف عملهم لجمع القليل من المال لعائلاتهم التي تنتظرهم فيما وراء البحار….
لقد شاهد ما يتعرضون له من استغلال في المهجر وما يتعرضون له من استغلال اكبر عند عودتهم لبلدانهم وهم يمضون العمر في ذاك الصراع وقدينجو البعض فيجعل له الله مخرجا…..
كما شاهد الحياة في مدن أفريقية أخرى كالقاهرة ومتسمودو بالمحيط الهندي بجزر القمر وكانت صورة مصغرة لحياة الإنسان الاجتماعية بخيرها وشرها وعدلها وظلمها الا انها خلت من اليد العاملة الأجنبية فانقلبت الصورة وكان المجتمع بكامله في خدمة حفنة من الأجانب بيدهم المال والجاه….!
اما في الرياض فليس هنالك وجود لنهر السان او ما يشبهه ولا لنهر النيل. وليس هنالك إثر لوادي مجردة الذي تسقي مياهه الشمال التونسي ولاوجود للجبال الخضراء التي يتدفق ماؤ ها أودية رقراقة تخترق الغابات وتصب في البحر.
لاشي من كل ذالك. هنالك مدينة شاسعة حديثة امتدت على أطراف وادي حنيفة الجاف الذي امتدت على اطرافه مزارع النخيل تمتص المياه الجوفية ولاوجود للكثير من الأماكن الأثرية سوي أحياء منفوحة وبئر الشاعر الجاهلي الاعشي اوقرية سدوس غرب الراض التي ينتسب إليها الشاعر الحطئة ولا وجود للأحياء القصديرية.للسكان المحليين فديوان السكن منح كل مواطن سعودي الحق في قرض سكني بدون فائض تتخلى الدولة على بعض اقساطه عند انجاز السكن. وبدلا من ذالك أنشأت شركات الاستقدام مساكن جاهزة لليد العاملة الزهيدة الأجر للعمل في ورشات البناء وغيرها.. واغلب اليد العاملة من شرق آسيا من الهنود والفلبينيين. بينما كان وضع الباكستانيين افضل. واحس مكرم بأن المجتمع في الرياض يختلف تماما عما شاهده في باريس وروما واثينا وتونس والقاهرة وغيرها وانه يستحق التامل لفهم مستقبل العرب وماضيهم….
(يتبع)
تونس في 23/6/2021
محمد عبد الكريم الوصيف