أخر المستجدات
الرئيسية » آخر الأخبار » مجرد سؤال بقلم علي الشافعي

مجرد سؤال بقلم علي الشافعي

مجرد سؤال ــ يا دام سعدكم ــ قد لا يكون بريئا , لكنه جدير بالطرح . السؤال هو : هل يسمح لرجل حفظ كل كتب الفقه والقانون ان يترافع امام القضاء , دون الحصول على شهادة من جامعة معترف بها تؤهله لذلك ؟ وهل يسمح لرجل حصل على شهادة الدكتوراه في الطب البيطري ان يكتب وصفة علاجية لمريض بشري مهما كان مرضه بسيطا ؟ بل هل يسمح لطبيب متخصص في الامراض الباطنية او الكلى او الاسنان ان يعالج مريضا في الاعصاب , او القلب او الدماغ ؟
سبب هذا الطرح ــ ايها السادة الكرام ــ انتشار ظاهرة العشابين , او من يطلقون على انفسهم اسم : (خبير اعشاب ) , دون التأكد من انهم يحملون مؤهلات من جامعات معترف بها , تدرس هذه المباحث . وقد ساعد في انتشار هذه الظاهرة كثرة الفضائيات (لا كثر الله منها) , ووسائل التواصل الاجتماعي , فيكفي ان يضع اهدهم اعلانا على فضائية او في موقع التواصل حتى يجد من يهرع اليه باذلا الغالي والنفيس للحصول على خلطة لا اظن من صنعها متأكدا من فعاليتها .
اينما ذهبت يلفت نظرك : (محلات كذا للأعشاب الطبية ) بإدارة خبير الاعشاب فلان العلاني , تدخل لترى اعشابا مجففة في اكياس معرضة لكل انواع الملوثات التي تفقد النبتة خواصها الفاعلة . ثم يقول لك عنده خلطات جاهزة تعالج اعتى الامراض التي عجزت اكبر مختبرات الصيدلة , ومعاهد الابحاث الطبية في ارقى بلدان العالم عن ايجاد حلول جذرية لها , عنده خلطة مجربة لعلاج السرطان , او الفشل الكلوي او تليف الكبد او السكري او التنحيف او اطالة الشعر …الخ .
ابتداءً ــ ايها السادة الكرام ــ هناك فرق بين الطبيب والعشاب ‘ فالطبيب يعالج الاسباب ، أما الشاب فيعالج الاعراض فقط , يعني إذا اشتكي أحد من صداع مثلاً فالدواء عند العشاب واحد وهو تسكين الصداع ، اما الطبيب فقبل أن يكتب أي دواء فانه يفحص المريض من شعر رأسه إلي نهاية أصبع قدمه ، ثم بعد ذلك يكون قد توصل إلي التشخيص الذي في كثير من الأحيان يحتاج إلي تأكيد بعمل بعض الفحوصات الطبية اللازمة لأن الصداع قد يكون من الإرهاق وقلة النوم , او مشاكل الإبصار أو التهابات في الجيوب الأنفية ’ أو ارتفاع في ضغط الدم أو نتيجة أورام في المخ ، أو نتيجة حالة نفسية ، وعلاج كل حالة يختلف عن الأخرى , وهذا هو الفرق الهائل بين الطبيب والعشاب , ثم هناك مصانع أدوية كاملة تكون الأدوية فيها من الأعشاب الطبية لكن هناك فرق كبير بين هذه الأدوية والأعشاب التي تباع عند العشاب أو علي الرصيف ، حيث إن هذه المصانع تصنع الأدوية من الأعشاب بعد التخلص من الأضرار الجانبية .
توارثنا عن ابائنا واجدادنا بعض الاعشاب والنباتات التي تفيد في علاج بعض الامراض الخفيفة كالرشح والتهاب القصبات الهوائية المسالك البولية وغيرها يمكن تناولها بشكل امن كاليانسون والنعناع والقرفة والزنجبيل والكركديه والعرقسوس والخروب والمريمية والزعتر , اثبتت الاستخدامات على مر الزمان فائدتها وفعاليتها ولكن ما يشيع هذه الايام امر بات غاية في الخطورة كيف ؟ اقول وامري الى الله :
يشيع على مواقع التواصل الاجتماعي (فيدو) يعرض فيه صاحبه خلطة سحرية يقول انها جربت على اكثر من الف شخص في علاج الفشل الكلوي ونجحت في ايقاف غسيل الكلى لحوالي 90% ممن التزموا بالعلاج , ليروي لنا احدهم تجربة عايشها قائلا: أصيبت زوجتي بفشل كلوي وعانت من الغسيل الكلوي كثيرا ، فأشار عليَّ بعض المعارف أن أذهب إلى طبيب أعشاب معروف ، فأحضر خلطة خاصة تتكون، حسب قوله ، من عسل وإضافات أخرى، ثمنها 600 ريال ، لكن بعد تناولها بيومين دخلت زوجتي في غيبوبة وهرعنا إلى المستشفى ، وهناك تم إنقاذها بأعجوبة ، حيث أجروا لها الإسعافات اللازمة وأفاقت من غيبوبتها واستقرت حالتها ولله الحمد ، وأخبرنا الأطباء أن سبب هذه الغيبوبة هو ارتفاع البوتاسيوم في الدم بسبب أخذها أعشابا غير معروف محتواها .
قبل فترة ايضا انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيدو لرجل يقول انه جرب نبتة القضاب وهي نبتة مشهورة في فلسطين , جربها على نفسه وكان مريضا بالسرطان بعد ان اخبره الاطباء بفشل جرعات الكيماوي في علاجه فشفي تماما , فهرع الناس اليه يشترونها منه , وبسؤال الذين جربوها فإنها لم تغن عن العلاج الكيماوي .
انتشرت ايضا ظاهرة الفطر الهندي وهو فطر يضاف عليه الحليب فيصبح حامضا خلال 12 ساعة ثم يصفى ويشرب قيل انه مفيد لعلاج السكري ليجد من استعمله بعد فترة ارتفاع نسبة الدهنيات الثلاثية في الجسم , اضافة الى مشاكل في الكبد , ومع ذلك لم يختف مرض السكر من جسمه .
احد اقاربنا اصيبت ابنته باليرقان او ما يسمى بالاصفرار , فوصف له احد العشابين نقطتين من ثمرة نبتة اسمها (قثاء الحمار) وهي نبتة تظهر في مجاري السيول في الصيف ثمرتها كثمرة الخيار , عليها اشواك صغيرة , تقطع اجزاءها فيخرج منها لبن سام تكفي القطرة منه لقتل الحمار , من هنا جاءت تسميتها , المهم ان الرجل لم يكذّب خبر احضر الثمرة وسقى ابنته نقطتين ليجدها في الصباح الباكر ارتقت شهيدة جهل الاب والعشاب معا , وعندما سئل العشاب قال : انا لم اقل لك اسقها , بل يقطر في انفها لتشمه وانتهى الامر عند هذا الحد وقتلت الطفلة .
على ان اكثر واخطر الخلطات السحرية شيوعا خلطات الرشاقة وتخفيف الوزن , تصفها خبيرة الرشاقة والتنحيف علاّنة البلاّني , مع برنامج غذائي يستمر قرابة الشهر لتصبح الفتاة بعدها شبه الممثلة الفلانية والمغنية العلانية , فتتقاطر الصبايا عليها تقاطر الذباب على حلو الشراب , فتجني من الارباح ما لا يتخيله عقل في فترة وجيزة , ثم تغلق مكتبها ولا يعرف بعد ذلك الى اين ذهبت , لتجد هذه الفتيات انفسهن مصابات بفقر الدم , وسوء التغذية وعدم الاتزان , او تسمم في الدم قد يؤدي الى الفشل الكلوي او امراض الكبد .
تعلمون ــ ايها السادة الافاضل ــ ان فايروس الانفلونزا مثلا يتغير من عام لآخر, لذا فالعلاج الذي كان يصلح للمرض العام الماضي قد لا يجدي هذا العام , فيبحث الخبراء ويطوروا علاجات جديدة تقضي عليه , اضافة الى فايروس انفلونزا الطيور او الخنازير القاتلة . والشاهد من ذلك ان كثيرا من العشابين يلجؤون لكتب الفها اسلافنا قبل الف عام في طب الاعشاب , ليطبقوها على الامراض المنتشرة في عصرنا , فاذا كان المرض يختلف من بيئة لأخرى ومن سنة للثانية , فكيف يفيد علاج وصف لأناس قبل الف سنة , وكان فعالا في زمنهم ؟ اذا كانت الخضار التي نستخدمها اليوم كالخيار او البندورة او البامية , بالله عليكم هل طعمها مثل ما كان عليه قبل عشرين سنة , وهل بها نفس القيمة الغذائية , فما بالك بنباتات وجدت قبل الف سنة هل سيكون لأحفادها ادام الله طلعتهم نفس القيمة والفعالية ؟
رب العالمين جل شانه خلق الازمان والامكنة والبشر وخلق الداء والدواء الذي ينبت في بيئة المرض , فما يصلح لزمان ليس بالضرورة ان يصلح في زمان اخر , وحتى البشر فما يشفي فلانا ليس بالضرورة ان يشفي كل من اصيب بالمرض , ثم لا بد من توفر شروط خاصة في الأعشاب كي يستعملها الإنسان ويعتمد عليها في العلاج ، مثل نوع الأعشاب ومكان زراعتها وريها بمياه مناسبة ، كما يجب أن تكون بعد حصادها خالية من العوالق والحشرات ، ويتم تخزينها في أماكن مناسبة كي لا تفقد خصائصها . حيث توجد خلطات مغشوشة ، باختيار نوعيات رديئة من الأعشاب وخلطها بمواد كيماوية لإعطاء مفعول فوري في التحسن . فبعد تحليل بعض الأعشاب المتوفرة في الأسواق وجد أنها مخلوطة بمواد كيماوية ضارة بالجسم وتؤدي لأمراض خطيرة ، وقد تُسبِّبُ الوفاة ، كما ثبت عند تحليل بعض الأعشاب التي تستخدم كمقويات , أنها مخلوطة بحبوب الفياغرا ، وتؤدي إلى مضاعفات خطيرة , وكذلك بعض الخلطات التي تستعمل كصبغات للشعر وجد أنها تحتوي على مواد كيماوية ضارة بالجلد ، كما أنها تحتوي على نسب من الزئبق والرصاص، وتسبب أضرارا، مثل تساقط الشعر أو التهابات جلدية ، وربما يصاب من يستعملها بالسرطان .
أوضح الباحثون بجامعة بيشاور الباكستانية في دراستهم التي نشروا تفاصيلها في مجلة علم الأحياء الفطرية، أنهم أجروا تحليلا لأكثر من 30 عينة من النباتات الشهيرة التي تستخدم عادة في الوصفات الطبية الشعبية ، وعثروا على مركبات سامة وفطريات العفن في 90% من العينات ، كما وجدوا أن 70% منها تتجاوز المستويات المقبولة . ومن هذه الأعشاب المتداولة والتي تدل نتائج الاختبارات التحليلية على احتوائها على مكونات ضارة بالصحة عبوة تحمل اسم “اعشاب السكر” (لتنشيط البنكرياس) (وخفض السكر في الدم) كما كتب على العبوة تصريح وزارة الصحة رقم 53146/2001 سجل تجاري رقم 166911س والمكونات كما كتب على العبوة : بذر بصل ، سموه ، شمر، ترمس مر ، حلبه ، كندر احمر، دمسيسة ، ورق ريحان ، شيح بابونج ، حبة البركة، مر بطاريخ ، قشرة قمح . وطريقة الاستخدام كبسولة قبل كل وجبة – كل ذلك كتب على العبوة بكل جرأة صنع في (….) , وظن من صنع هذه المنتج أنه لن يمر على جهة تحليليه أو رقابية . وبعد الكشف عن مكونات هذه المنتج بالأجهزة التحليلية ذات التقنية العلمية الحديثة , تبين ان هذه الكبسولات والتي تزن 0.58 جرام ان محتواها من الرصاص (Pb) أعلى ثلاث مرات من النسية المقبولة عالمياً , الرصاص السام والذي له خطورة على الهيكل العظمي حيث يسبب هشاشة العظام و له تأثير على الكبد حيث يسبب تليفاً، و اذا اخذ من قبل المرأة الحامل يؤثر على الجنين حيث يترسب في المخ ويؤدي إلى الإعاقة , كما احتوت الكبسولة على بكتيريا ضارة وفطريات سامة بنسب عالية , تجعل هذه الكبسولات غير صالحة للاستخدام البشري .
وبعد ــ ايها السادة الكرام ــ نعرف ان القانون لا يسمح بفتح صيدلية او مختبر للتحليل الطبية الا لمن يحمل الشهادة الجامعية الثانية أي الماجستير في مجال تخصصه , فلماذا يسمح لكل من هب ودب بفتح محلات للاعاب , وهو بالتالي يبيع خلطات يستعملها المرضى . ثم ان هناك دائرة صحية في كل بلدية , تقوم بالكشف على المطاعم , ومحلات البقالة وبيع اللحوم والاسماك والالبان , لمعرفة مدى صلاحيتها للاستهلاك البشري, فلماذا لا تقوم بمداهمة هذه المحلات , واخذ عينات من مخاليطهم , وتحليلها للتأكد من عدم تعرضها للملوثات , او خلطها بمواد كيماوية لها تاثيرات جانبية ؟ مجرد سؤال . طبتم وطابت اوقاتكم .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.