أخر المستجدات
الرئيسية » آراء حرة » نريد حـــــلّا بقلم علي الشافعي

نريد حـــــلّا بقلم علي الشافعي

نريد حـــــلّا بقلم علي الشافعي

افة خطيرة ـــ ايها السادة الافاضل ـــ تفتك في جسد المجتمعات العربية المثخنة اصلا بالآفات والجراح , آفة ليست اقل فتكا من الافة المستعصية المتمثلة في دولة عصابات بني إسرائيل , انها العنوسة , او ما يسمى اصطلاحا “الزواج فوبيا”
والعنوسة ــ يا دام فضلكم ــ مصطلح اطلق على من فاتهم قطار الزواج من الجنسين , فالمرأة عانس والرجل عانس , وان كان المصطلح جيّر لحساب المرأة ؛ لأنها الاكثر عددا في هذا المجال . ويختلف سن العنوسة من بلد لآخر لكن الباحثين حددوه بسن الخامسة والثلاثين لكلا الجنسين , ليضح لهم حجم المشكلة بإحصاءاتها المخيفة , والتي تزداد يوما بعد يوم , حتى أوشكت أن تدمر تلك المجتمعات , وخاصة على المستوى الاجتماعي ، حيث أصبح الزواج من أهم المشاكل التي تواجه الشباب والتي تعجز أمام حلها المعادلات الحسابية ، حتى باتت تشكل كابوساً يهدد الملايين من الفتيات على امتداد رقعة الوطن العربي .
تشير الدراسات اولا ان الشعوب العربية في الاصل شعوب فتية شابة , أي ان نسبة من هم دون سن الاربعين حوالي 70% من مجموع السكان , ذلك لان الاسر العربية معدل المواليد فيها حوالي خمسة , عكس الشعوب التي تكتفي بواحد او اثنين .
تتحدث هذه الاحصاءات عن ارتفاع غير مسبوق في نسبة العنوسة بين الجنسين ولكن النساء سجلن الغالبية العظمي . نشر موقع “روسيا ليوم” انفوغرافيك عن أكثر 10 دول عربية يوجد فيها فتيات من دون زواج وجاءت النتيجة كالتالي : حل لبنان في المرتبة الاولى كأعلى نسبة عنوسة في الوطن العربي بنسبة 85% ، وحلت الامارات في المرتبة الثانية بنسبة تفوق الـ75% من مجموع الفتيات , ويعود ذلك وفقاً للدراسة الى الارتفاع الباهظ في تكاليف الزواج , اضافة الى منع النساء من الزواج من غير مواطني الدولة , في حين يحق للرجل الزواج من أجنبية . وحلت كل من سوريا والعراق بالمرتبة الثالثة بسبب الوضع الامني والازمة الاقتصادية ، فكانت النسبة 70 % . في تونس وصلت النسبة الى 62% . حلت الجزائر في المرتبة الخامسة بنسبة 51%، وتشير الدراسة ان عدد العوانس يبلغ 5 ملايين أي ما يفوق عدد سكان ليبيا . في السعودية والاردن وصلت النسبة الى ما يقارب الـ45% من عدد الفتيات ، في ظل البطالة والازمات الاقتصادية , في مصر كشفت دراسة رسمية أعدها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء: “ارتفاع نسبة غير المتزوجين بين الشباب المصري إلى 40%، وأن أعداد العوانس الذين تجاوزوا الخامسة والثلاثين دون زواج وصل إلى أكثر من 8 ملايين نسمة , وكذلك نفس النسبة تقريبا في المغرب . وفى الكويت وقطر وليبيا بلغت نسبة العنوسة 35%، وذلك نظرا لزيادة الأعباء المالية، والنفقات الباهظة ، بينما وصلت نسبة الطلاق في الكويت 33 %. وبلغت في اليمن 30% ممن تجاوزن سن 35 , اما البحرين فبلغت النسبة 25% .
اذن فالظاهرة خطيرة في نتائجها , والتي بالضرورة تهدد المجتمع بالانحلال وتفشي الرذيلة , وخاصة في عصر النت , فلا بد اذن من الجرأة في الطرح , والجرأة في المعالجة . ولكن قبل البحث عن العلاج لا بد من تشخيص المرض ومسبباته , ليسهل علينا وضع الحلول المناسبة .
تعزو الدراسات اسباب تفشي هذه الظاهرة الى عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية , وهناك سبب اخر اغفلته او تغاضت عنه , لأنه لا يروق لها . نبدا يا ــ دام مجدكم ــ بالأسباب السياسية :
لعل الاحصاءات عن نسبة العنوسة في كل من سوريا والعراق تعطينا المؤشر , ففي العراق مثلا خلفت الحرب العراقية الايرانية والحرب الامريكية البريطانية وعملائهما , خلفت اكثر من خمسة ملايين بين قتيل ومشوه وعاجز اغلبهم من الرجال , وكذلك الحرب الدائرة الان في سوريا اليمن وليبيا , والحبل على الجرار . اضافة الى هجرة كثير من الشباب بحثا عن عمل في دول الخليج واوروبا , وهذه الدول لها قوانين مشددة في استقدام العوائل , فيقضي الشاب سنوات عدة دون زواج , وهذا يزيد نسبة العنوسة بين بنات بلده .
اما السبب الثاني دام فضلكم هو الاجتماعي ؛ فهناك بعض الموروثات لدي كثير من الأسر في مجتمعاتنا منها : ان لا تزوّج البنت الصغرى قبل الكبرى , فيستفيقون على واقع عنوسة الاثنتين . وهناك موروث ايضا فشعوبنا شعوب قبلية , حتى وان استحمّوا بالحضارة صباح مساء , فلا يقبلوا خروج الفتاة من العائلة , تزويجها لغريب حتى لا يقاسمهم احيانا الميراث . وبعض العائلات لها برستيج معين ؛ فلا تقبل الا من كان بمستواها الاجتماعي , فمثلا عندنا اهل عمان الغربية لا يعرفون شيئا عن الاحياء الفقيرة والاكواخ وبيوت الصفيح شرق العاصمة , ولا اظنهم يوافقون على تزويج بناتهم من شاب من هذه البيئة , ولو كان كفؤا لابنتهم ويحبها وتحبه .
اما العامل الاقتصادي فحدث ولا حرج , فالموروث الاجتماعي في اغلب بلدان بني عرب يقع عبء الزواج على كاهل الشاب , الذي قد يحتاج عشرات السنوات ليلبي متطلبات الفتاة واهلها , فهي تريد بيتا به من الابرة حتى السيارة , رغم انها لا تعرف لمَ صنعت الابرة اصلا ولا كيف تستعمل . ناهيك عن المهر والشبكة والصالون وبدلة العرس , وقاعات الافراح ومتطلبات المدعوين , وحتى لا يُثقل بالديون يخطف رجله الى احدى الدول الغربية او شرق اسيا , ليحصل على زوجة لا تكلفة الا تذكرة الطائرة , وربما ساعدته بها , ويكون ذلك على حساب فرص بنات البلد .
اما العامل الرابع فهو الثقافي ؛ فإقبال الفتيات على التعليم وانشغالهن به لنيل الشهادة وتحقيق مركز اجتماعي واقتصادي مرموقين , على حساب فرص زواجهن , فيؤخرن طالبي الزواج الى ما بعد تحقيق نجاحاتهن , وتكون النتيجة على راي المثل المصري (طلبوها تعززت تركوها تندمت ) . ثم هي اصبحت بمستوى راق من التعليم ولن تقبل الا بمن هو في مستواها . اذكر ان احدى مدرساتنا في الجامعة كانت قد تجاوزت سن الاربعين بدون زواج , وكنا نعلق عليها من يريد ان يتزوج مكتبة متنقلة حازمة صارمة .
هناك عامل لم تغفله الدراسات هو العنوسة الاختيارية : ربما يكون ذلك لعدم الرغبة في تحمل مسؤولية الأسرة والأطفال , وهذا ينطبق على الجنسين . أو قد يكون لأسباب نفسية ، كتجربة تعرَّض لها أحد الطرفين وأدَّت إلى اتخاذ هذا الموقف كقصص الحب الفاشلة ، أو خيانة أحد الطرفين أو الموت . وقد ساهم استقلال المرأة اقتصاديًّا في ذلك حيث تستطيع العيش وحدها في مسكن خاص بها ؛ ومع تقدم السن تصبح مقبولة اجتماعيًّا ، خاصة وأن الأمان الوظيفي قد زرع في نفسها الجرأة على اتخاذ قرار الاستقلالية . فهي غير مضطرة للزواج من أجل “السترة”.
اما السبب الذي اغفلته الدراسات ــ يا دام مجد ابائكم الاوائل ـــ عمدا هو تعطيل قانون رب العالمين , او وضع العراقيل امامه باسم الحضارة والتقدم ؛ الا وهو تعدد الزوجات الذي قد يحل مشكلة الكمّ الهائل من العوانس خاصة في البلاد التي تتعرض للحروب والكوارث كالعراق وسوريا واليمن .
هذه ــ يا سادة ــ هي الاسباب , اما النتائج فهي اضمحلال عنصر الشباب في المجتمعات العربية بسبب العنوسة , فلن يبقى المجتمع العربي فتيّا في قادم الايام . لعل أبرز وأخطر الآثار التي تنتجها العنوسة تتمثل في زيادة الإنحلال , خصوصا فى المدن الكبرى , وما يتبع ذلك من مشكلات لإثبات بنوة المواليد من زواج عرفى او زنا . وأيضا الزيادة المطردة فى عدد اللقطاء (اطفال المساجد) والامهات غير المتزوجات , وفي مصر وحدها مثلا أكثر من 15 ألف دعوى لإثبات البنوة تنظرها المحاكم . اضافة الى الآثار النفسية ؛ كشعور المرأة بالدونية ، والحرمان من عاطفة الأمومة , وكذلك لها أثر سلبى بعيد المدى فالفراغ والوحدة التي يعانى منهما الشاب أو الفتاة قد يجعلاهما يسلكان سلوكا غير سوى , أو يدفعهما لإرتكاب الجريمة.
فكروا معي ــ ايها السادة الكرام ــ لنبحث عن حلول قبل ان يقع المحظور , قد يكون الحل الامثل في اعادة تطبيق شرع الله في هذه المسالة , وعدم تقييد الزواج الثاني والثالث . وكذلك ترك بعض الموروثات السلبية والبرستيجات المزيفة , والطلبات الباهظة , فالاعتدال وعدم المغالاة في المهور والتيسير على الخاطب . ثم التوسع في إنشاء جمعيات تيسير سبل الزواج .
سأذكر لكم الان ما ورد في التقرير حول التجربة الفلسطينية , حيث تقول الدراسة ان اقل نسبة عنوسة في الوطن العربي هي في فلسطين , حيث لم تتعد النسبة7% . ومعرفتي الشخصية تؤكد صحة هذه الدراسة , فاعلم ان في كل قرية ومدينة من مدن فلسطين جمعية غير حكومية , اسمها (جمعية تيسير سبل الزواج) , تسهل على الخاطب وتتدخل لإقناع اهل الخطيبة بالرضى بقدرة الشاب لان الوطن بحاجة ايد كثيرة للوقوف في وجه مغتصبي الارض والطامعين والمتآمرين والمتخاذلين . طبتم وطابت اوقاتكم .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.