الرئيسية » مقالات » يا حلم الطفولة.. ذكريات من وحي أدب الرحلات بقلم علي الشافعي

يا حلم الطفولة.. ذكريات من وحي أدب الرحلات بقلم علي الشافعي

يا حلم الطفولة
ذكريات من وحي أدب الرحلات
بقلم علي الشافعي
على يمين الشارع العريق نابلس ــ جنين ــ مرج ابن عامر , الذي يربط الضفة الغربية بأراضي ال 48 في الشمال الفلسطيني يوجد مثلث عرّابة ــ يعبد , وهذا لنا معه حكايات وروايا حيث كان هناك معسكر لجيش بني إسرائيل بعد نكسة 67 , كنا نذوق الويلات أثناء تنقلنا بين مدن الشمال . انحرفت بنا السيارة غرباً عبر سهل فسيح بطول حوالي 10كم, توقفنا في السهل عند جسر علي واد كان يخترق هذا السهل, أذكر أنّ هذا الجسر كان بسبع بوابات عرض كلّ منها حوالي 3 أمتار بارتفاع حوالي مترين , ولي معه حكايات وذكريات , فقد كنا نسكن أيام الطفولة الأولى في ذلك السهل , في مواسم الربيع وأيام الحصاد . كنا نحب أن نلهو في البوابات ونستمتع بصدى الأصوات التي نطلقها , أو نلعب لعبة الاختباء والذي عليه الدور عليه التعرف إلى البوابة التي نكون بها من خلال أصوات نطلقها فيتردد صداها عدة مرات , نبحث بعد ذلك عن بعض خيرات الأرض المتوفرة في ذلك الموسم , خلال وقوفي بعد أكثر من أربعين سنة, اختزلت فيها كل الذكريات , ساءني أن أري التراب وقد ملأ هذه البوابات , نظراً لإهمالها بسبب حصار الاحتلال للمدن الفلسطينية من ناحية, وقلّة الأمطار من ناحية أخرى.
على ربوة ترتفع عن سطح البحر حوالي 400 متر تقع بلدة يعبد الأثريّة والتاريخيّة، والمشهورة بنضالها ضدّ الغزاة على مرّ العصور، حيث احتضنت ثورة القسام وشهدت استشهاده في ضواحيها في أحراش عزبة (طرم) التابعة إدارياً لها.
أما عن سبب تسميتها يعبد : يقال إنّها كانت تضم معبداً لنبي الله إبراهيم عليه السلام , ومن هنا اكتسبت اسمها. مساحة البلدة بأحراشها وخربها وعزبها حوالي 38كم. اقتطع الاحتلال أجزاءً كبيرة منها لبناء جدار الفصل العنصري .
عند بداية المرتفع الذي تستقر عليه البلدة شارع على اليمين يربط قرى جنين مع مدن وقرى المثلث أم الفحم وعارة وعرعرة المحتلة عام 48 , على جانبَي الشارع عدد من العِزَب والقرى الصغيرة التابعة لبلدة يَعْبَدْ، والمنطقة بطبيعتها صخرية رعوية بها أحراش كثيفة خاصّةً في منطقة العُمرة وعزبة طرم والشيخ زيد وطورة الشرقية والغربيّة وعزبة ضياء، ولهذه العزبة معي شان، فقد فتحت عيني على الدنيا لأجد العائلة تسكن فيها , فهي عِزبة تقع شمال البلدة بحوالي 3كيلومترات، علمت من العائلة أنه وبعد هجرة عام 48 استقر الأهل هناك، لأنّهم كانوا يملكون قطيعاً من الأغنام والمنطقة واسعة تصلح للرعي. وقد أمضيت في تلك المنطقة كما أذكر السنوات الدراسية الثلاث الأولى قبل الانتقال إلى منطقة طولكرم، ليشتغل الوالد رحمه الله بالزراعة بعد مرض قضى على غالبية القطيع. المهم تذكّرت وأنا أقف على هذه الربوة قصيدة شاعر فلسطين أبو سلمي (عبد الكريم الكرمي):
درجت على التراب وملء نفسي عبير الخالدين من التراب
فقد درجت على كلّ شبر من تلك المنطقة، وقفزت على كلّ صخرة فيها، ونصبت الفخاخ واصطدت الكثير من عصافيرها وسمّانها (السمّان طائر مهاجر متوسط الحجم يأتي في الشتاء بحثاً عن الدفء). أذكر أنني مررت على هذا المكان قبل حوالي17 سنة كان الوضع على حاله فقط مع تهدّم بيوت العزبة. أما اليوم فمما أثلج صدري أن أجد المنطقة وعلى مد البصر استصلحت وجرفت الصخور وزرعت بالزيتون واللوزيات، وشقت فيها الشوارع وأصبحت الخدمات فيها متوفرة.
ولا بد للزائر لهذه المنطقة (يعبد) أن يمر بـ(شجرة العروس)، يتفيأ ظلالها ويشرب من الزير المقام تحتها لخدمة الزائرين والمسافرين. وشجرة العروس هذه قصة وحدها فهي شجرة معمّرة من نوع نادر من البلوط وهو الملول، ويختلف ورقه عن ورق البلوط فهو أكبر حجماً وأرق ملمساً، تقع شجرة العروس على مثلث طورة أم الريحان قُرب عزبة الشيخ زيد في أقصى شمال الضفة الفلسطينية وقد نجت بأعجوبة من براثن سياج الفصل العنصري فهو لا يبعد عنها سوى عشرات الأمتار. ويقال : إن عمر هذه الشجرة 400 عام والبعض يقدر عمرها بأكثر من ذلك، و ينسبها إلى عهد الرومان، وقد ذُكرت في خريطة فلسطين في عهد الدولة العثمانية، والشجرةُ ضخمةٌ اليوم، تقف في ظلّها عشرات السيارات ويبلغ قطر ساقها حوالي 3 أمتار. تقع تقريباً في وسط المسافة بين قرى يَعْبَد وعرابة وقرى أم الفحم وعارة وعرعرة. أمّا عن سبب التسمية ــ أيّها السادة الكرام ــ فتعالوا أروي لكم الحكاية:
في بدايات القرن العشرين ونظراً لعسر الحال وضيق ذات اليد فقد شاعت ظاهرة زواج البدل فإذا تصاهر أهل يعبد وعرابة مع أم الفحم وقراها , فللتسهيل على الناس تلتقي الفاردتان( موكب العرس) في منتصف المسافة عند تلك الشجرة، فيقيمون الأفراح ويذبحون الذبائح، وتدار الولائم ثم يأخذ كلٌّ عروسه ويعود بها إلى بلده، ومن هنا اكتسبت الشجرة اسمها وشهرتها، وقد بُنِي الآن مسجد فخم قبالتها مباشرة. طابت أوقاتكم
الكاتب علي الشافعي

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.