أخر المستجدات
الرئيسية » مقالات » أيها الصهاينة عودوا إلى وطنكم واتركوا فلسطين لأهلها الدكتور: محمد زرو الصفريوي الجزء الثاني

أيها الصهاينة عودوا إلى وطنكم واتركوا فلسطين لأهلها الدكتور: محمد زرو الصفريوي الجزء الثاني

 

أيها الصهاينة عودوا إلى وطنكم

واتركوا فلسطين لأهلها
الدكتور: محمد زرو الصفريوي
الجزء الثاني
تمت بلورة الطابـع اليهـودي اليديـشي للجمهورية في هذه المرحلة. فأُنشئت مزارع جماعية يهودية ومجالس فرعية، واتُخذت اليديشية لغة رسمية، وأُسِّس مسرح يديشي ومكتبة عامة سُمِّيت باسم الكاتب اليديشي شالوم عليخيم، كما أُقيمت مؤسسة طباعة عصرية وصُنعت آلات كاتبة بالحروف التي تُكتَب بها اللغة اليديشية.
ولكن القيادات السوفياتية، بعد هذه الفترة القصيرة من الهجرة، غيَّرت موقفـها، وبدأ الفتور يسـيطر على الحـديث الرسـمي عن جمهورية بيروبيجان، وبرزت اتهامات بالتآمر مع الخارج. ومع تأسيس الكيان الصهيوني في 14 ماي 1948 كان الاتحاد السوفياتي بزعامة السفاح ستالين أول دولة تعترف به اعترافاً قطعياً بتاريخ 17 مايو 1948.
إلا أن أرفع خدمة قدمتها روسيا الشيوعية للصهيونية العالمية هي في تدبير خطة لتهجير اليهود في غفلة من معظمهم نحو فلسطين، وفي ذلك إمداد هذا الكيان المصطنع بعناصر البقاء عبر الضغط على جماعات اليهود في روسيا وبيروبيجان، للهجرة ولو أن معظمهم لم يكونوا راغبين فيها، لأنه لم تكن تربطهم بأرض فلسطين أي علاقة، بل لم يكونوا يعرفون حتى موقعها من العالم.
وقد اقتضت خطة تهجير اليهود أن يقوم السفاح ستالين بشحن الأجواء السياسية ثم توجيه الاتهام لزعماء الجماعة اليهودية في بيروبيجان بالتآمر لفصل الإقليم عن الاتحاد السوفياتي وتسليمه لليابان. هذه الاتهامات بالخيانة العظمى خلقت حالة من الذعر في صفوف اليهود، وهم أحرص الناس على حياة، فبدأت أعدادهم في روسيا وبيروبيجان في التناقص المستمر بسبب موجات النزوح الاستيطاني لأرض فلسطين.
وكانت النتيجة أن الهجرة إلى الجمهورية اليهودية أخذت في التقلص تدريجياً إلى أن وصل عدد اليهود فيها سنة 1968 إلى نحو خمسة وعشرين ألف نسمة. وقد بلغ عدد السكان اليهود في عام 1989 نحو 8.887 مقابل 215 ألف روسي وكوري وصيني وغيرهم، أي 4% من عدد السكان، يقطن معظمهم في العاصمة التي يبلغ عدد سكانها ثلاثة وثمانين ألفاً. وعدد المتحدثين باليديشية آخذ في التناقص، ووصلت نسبة الزواج المختلط بين اليهود 80%، وهي بذلك قد تكون أعلى نسبة في العالم.
وأمام هذه الكثافة السكانية الهزيلة فقد تعرَّضت مساعي إنجاح أول وطن لليهود لحالة من الجمود القاتل في السنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى ضياع الهوية التلمودية لدى غالبية اليهود الذين لا يزالون إلى الآن يستوطنون بيروبيجان. فالقسم الأعظم منهم ملحدون، كما أن الحاخام الذي يشرف على إقامة الشعائر يؤمن بالمسيح ويستخدم الإنجيل في الصلوات.
ومع هذا، لا تزال الصهيونية العالمية تحافظ على الطابع اليهودي اليديشي لجمهورية بيروبيجان إذ تَصدُر الطوابع البريدية باللغتين اليديشية والروسية معا، ولا تزال أسماء الشوارع تُكتَب بهما. وقد تم الاحتفال بعيدها الخمسيني عام 1984. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي وظهور الكومنولث الروسي، بدأت الحكومة الروسية في تحويل بيروبيجان إلى منطقة اقتصادية حرة. ويفكر بعض أثرياء إسرائيل في الذهاب إلى بيروبيجان للاستثمار فيها، خاصة مع انتشار زراعة المخدرات فيها مؤخراً.
وبرغم النتائج التي انتهت إليها جمهورية بيروبيجان فإنها تثير عدداً من الملاحظات حول الحركة الصهيونية في مجملها، أولاها أن الارتياح اليهودي بهذا الوطن القومي قابله بشدة رفض صهيوني مخادع، انطلق من تبسيط مخل للحلول الممكنة للمسألة اليهودية يستهدف تبرير حتمية الهجرة إلى فلسطين، وهو ما يثبت أن الصهيونية لم تستهدف حل المشاكل الملحة عند اليهود بقدر ما استهدفت تحقيق أساطير الصهيونية العالمية.
وأخيراً، فإن مشروع إنشاء جمهورية بيروبيجان قد أثار من جديد الخلاف القديم بين يهود العالم وصهاينته. فقد أيَّدته بعض الجمعيات اليهودية في الولايات المتحدة وغرب أوربا وأمريكا اللاتينية، وكان من بينها لجنة التوزيع الأمريكية اليهودية المشتركة (جوينت)، والمؤسسة الأمريكية اليهـودية المشـتركة للزراعـة (أجروجوينت)، والجمعية الأمريكية للتوطين اليهودي في الاتحاد السوفيتي المعروفة باسم «إيكور» أي الفلاح بالعبرية، في حين عارضته كل اتجاهات الحركة الصهيونية باعتباره تجسيداً لفكرة الدياسبورا نحو نظام اقتصادي مختلف.
وإذ انتصر الصهاينة على اليهود وأفشلوا جمهورية بيروبيجان مقابل إنجاح الاستيطان في أرض فلسطين بعد تهجير أهلها العرب منها بالاستئصال والإبادة فإن عقلية الشعب اليهودي المحكوم ثقافيا بعقيدة الدياسبورا الدائمة وذلك بالهجرة من مكان لآخر تنفتح على استحالة البقاء في أرض فلسطين للأبد، وتترقب شرائحه الاجتماعية ساعة الهجرة المضادة من فلسطين إلى مكان آخر، خاصة منهم اليهود المعارضين للصهيونية العالمية ولسياسة الاستيطان والفصل العنصري التي تمارسها الحكومات المتعاقبة على الإدارة السياسية في الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني.
وعلاوة على ما سبق، العامل الحاسم في تنشيط الهجرة المضادة من فلسطين المحتلة إلى بيروبيجان أو إلى أقاليم التيه والشتات اليهود هو الارتفاع المدهش في مستوى دقة ضربات المقاومة الفلسطينية.
الرواد الذين رفعوا الحجب عن هذه الفضيحة الصهيونية
1 – الليدي ميشيل رينوف
دفاعاً عن فلسطين والفلسطينيين قامت مناضلة بريطانية اسمها الليدي ميشيل رينوف بالتعريف بجمهورية بيروبيجان باعتبارها وطنا قوميا لليهود، مطالبة اليهود بأن يخرجوا من فلسطين الى بيروبيجان موطنهم الأصلي.
جاءت انتفاضة رينوف ردا على جهود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتسويق التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، ولهذا لا بد من الإشادة بهذه المرأة الشجاعة التي انتفضت لإنصاف الفلسطينيين والدفاع عن قضيتهم العادلة، وبذلت جهودا جبارة في بلدها وفي سائر المحافل الدولية مؤكدة أنه بما أن الحكومة الروسية أنشأت جمهورية لليهود سنة 1928 فاستوطنوها ورضوا بها كيانا شرعيا لهم فليس لهم مسوغ قانوني للاستيلاء على أرض فلسطين وإبادة أهلها وتشريدهم خارجها.
تقول السيدة البريطانية ميشيل رينوف التي رغم أنها تحمل لقباً شرفياً وهو الليدي إلا أنها أبت إلا أن تهب حياتها للدفاع عن أكبر القضايا مظلومية في العصر الحديث: (لقد كان تأسيس بيروبيجان, قبل 20 عاماً من اغتصاب فلسطين وبعد 21 من مقررات مؤتمر كامبل بنيرمن أو مؤتمر دول الاستعمار السبعة لعام 1907، وعقد المؤتمر في لندن لهذه الغاية، أي تأسيس كيان غريب في فلسطين لغاية الهيمنة والسيطرة على ثروات الوطن العربي).
كما دافعت بحجج وبراهين تاريخية مدهشة عن الحل الوحيد لقضية الشعب الفلسطيني وهو ضرورة عودة اليهود الى موطنهم الاول. ولهذا الغرض أنشأت منظمة تحمل اسم (جمهورية اليهود)، وألقت العديد من المحاضرات عرضت فيها هذا الحل المنطقي في محافل عدة، كانت إحداهما تحت قبة البرلمان البريطاني، ولم تدع هذه المناضلة فرصة تمر دون إماطة اللثام عن هذه القضية، المتكتم عليها عربياً وغربيا تحت تأثير ضغط الصهيونية العالمية.
وتستغرب رينوف استمرار التكتم الإعلامي الشديد على الجمهورية اليهودية رغم أنه لما تفكك الاتحاد السوفياتي انطلق كل شعب من شعوب الاتحاد وأبان عن هويته وأعلن استقلاله التام عن الاتحاد باستثناء جمهورية بيروبيجان التي استمرت الصهيونية العالمية في التكتم عليها.
كما بينت أن العودة الآمنة لليهود المغتصبين لأرض فلسطين إلى جمهورية “يفريسكايا اوبلاست” المعروفة أكثر باسم عاصمتها بيروييجان سيمكنهم من أن يعيشوا بأمان وسلام في جمهورية معزولة عن العالم، خاصة وأنهم قد ألفوا لقرون عدة الحياة في الغيتوهات المنيعة ضد التأثير الخارجي، وبذلك سيتحررون من تضخم عقدة معاداة السامية عندهم إلى درجة الفوبيا، وأن ينعموا بالحياة داخل الهوية اليهودية المحصنة من التلاقح مع أي هوية مغايرة، وأن يتحدثوا اللغة اليديشية، وهي لغة طورها اليهود في غيتوهاتهم في أوروبا، كل هذا شريطة أن يتركوا فلسطين لسكانها العرب الأصليين، وهذا هو الحل العادل الكفيل بإنهاء مأساة العرب الفلسطينيين المشردين في أصقاع الأرض.
2 – الدكتور أسعد السحمراني:
من أوائل الباحثين العرب الذين رفعوا ستار التعتيم عن جمهورية بيروبيجان الدكتور أسعد السحمراني:-1953) … ) وهو كاتب ومؤلف وأكاديمي لبناني وُلد في قضاء عكار الواقع  في شمال  لبنان، وهو أستاذ الفلسفة بجامعة بيروت سابقا وأستاذ العقائد والأديان المقارنة بجامعة الأوزاعي، وعضو اتحاد الكتاب العرب بدمشق، كما أنه عضو نشيط في عدة هيئات عربية وعالمية.
ألقى أسعد السحمراني عدة محاضرات في نهاية الألفية الثانية وحرر عدة مقالات صحفية قدم الأدلة التاريخية عن أصل اليهود وبين فيها ظروف تكوين وطنهم القومي في بيروبيجان، حتى نشر سنة 2003 كتابا تحت عنوان: إسرائيل الأولى ( بيروبيجان )، ونفدت النسخ من الأسواق فأعاد طبعه سنة 2004، وتحميله متاح في الشبكة العنكبوتية.
لكن مساعي الليدي ميشيل رينوف والدكتور أسعد السحمراني وغيرهما استقبلت كالمعتاد بالتجاهل من قبل الحكام العرب لأنهم قادة لأنظمة وظيفية واقعة تحت النفوذ الغربي، وبالتكتم من وسائل الإعلام الرسمية التي صنعتها هذه الأنظمة بعناية، حتى وجدنا العديد من الأنظمة العربية تقف من صفقة القرن الأمريكية مواقف مؤيدة سرا أو علانية، في حين أن المركز الصهيوني لحقوق الإنسان (بيتسيلم) يصف الخطة الأميركية بأنها خطة أبرتهايد (فصل عنصري) وليست خطة سلام، وأنها مليئة بالثقوب مثل الجبنة السويسرية، الجبنة للصهاينة، والثقوب للفلسطينيين.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.