أخر المستجدات
الرئيسية » آخر الأخبار » العنف ضد المرأة والانتفاضة بقلم / عباس الجمعة

العنف ضد المرأة والانتفاضة بقلم / عباس الجمعة

العنف ضد المرأة والانتفاضة
بقلم / عباس الجمعة

********

يعتبر مشهد العنف ضد المرأة في فلسطين كأحد المشاهد التي لا تنتهي بسبب خصوصية الوضع الفلسطيني بوقوعه تحت الاحتلال منذ أكثر من من ثمانية وستين عاما، ويمارس الاحتلال جميع أشكال العنف بشكل مباشر او غير مباشر على المرأة بهدف احكام قبضته على الشعب وأرضه، وقد تسبب الاحتلال في قتل آلاف النساء واعتقالهن واعاقتهن بشكل فردي وجماعي في داخل الوطن وفي خارجه في المراحل المختلفة، حيث يمارس الاحتلال قمعه وتنكيله ضد الشعب الفلسطيني في جميع مناطق تواجده وفقا لاحتياجات ومتطلبات خططه الاحتلالية والاستعمارية، لذلك فالخطر والعنف الرئيسي الذي يحيط بالمرأة ودورها وحريتها يتمثل بعنف الاحتلال، والذي يجند البعد الاجتماعي التقليدي ويستفيد منه من اجل قمع المرأة وابقائها تحت السيطرة.
من هنا تميزت الانتفاضة اليوم دور مهم من خلال شابات لم يكن يخشين مواجهة الاحتلال حيث يمثلن ثلث شهداءالانتفاضة، من خلال دورهم رغم الاجراءات التي يبتدعها الاحتلال والمتمثلة بعسكرة الطرق والحواجز لاعاقة التنقل للعمل والتعليم ، الا ان الفتيات الشابات بشكل خاص اصبحن هم يشكلن القوة الرئيسية في مساندة الشباب .
وامام اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة ، نتساءل هل هذا اليوم يتناسب مع واقع وبرنامج المرأة الفلسطينية. فالربط بين هياكل العنف الاحتلالي والاجتماعي يجد أجوبته الفلسطينية من خلال تحليل أثر بيئة القمع السياسي والوطني على بناء الشخصية الفلسطينية، دون الوقوع في فلسفة التبرير وكأنه العامل الوحيد في بناء عوامل العنف، أو تصويره كأحد أشكال ردود الفعل على عنف الاحتلال.
ان الربط بين العنف الاجتماعي والاحتلالي يمكن المرأة الفلسطينية من عرض المشهد بأبعاده الحقيقية، كمجتمع يعيش في دوائر مغلقة من العنف، وبأن القضاء عليه يشترط ان يسبقه اخراج الاحتلال من الأرض كأحد العوامل الأساسية في تغذية وتبرير أشكال أخرى من العنف الداخلي ومنها العنف الاجتماعي..
إن السائد في المجتمعات العربية، أن قضية العنف هي قضية خاصة، ويسود الاعتقاد أيضاً أن نتائجها ينبغي أن تبقى في إطار الأسرة، وبالتالي فلا ضرورة كي يتدخل القانون أو منظمات المجتمع المدني، لأنه، بحسب الرأي السائد، لا دخل للمجتمع بمواجهة هذا العنف، بينما يشير الواقع إلى أن قضية العنف قضية شاملة، وأسبابها متعددة الجوانب ومتداخلة، وجميعها ذات علاقة بالمجتمع، ولعل من أهم الأسباب التي تساهم في انتشار العنف في البلدان العربية الاعتقاد التاريخي الخاطئ، الذي أصبح قيماً دينية واجتماعية، والقائل إن الدين الإسلامي أقرّ العنف ضد المرأة، حيث تهدر المجتمعات العربية حقوق المرأة ولا ترى أنها تنتقص هذه الحقوق لأنها لا تعترف بمعظمها، وعلى ذلك لا تستنكر العنف، ولا تطالب بمنعه وملاحقة الرجال المعنفين، وبعض أنواع العنف قد تتجاوز حدود الدولة كالإتجار بالبشر، وله آثار إجتماعية وصحية ونفسية ويحد من تمكن النساء المشاركة في الحياة العامة ، وتمتد هذه الآثار لتتجاوز النساء المعنفات لتصل الى الأسرة والمجتمع بأكمله ، لا بل الى إفقار النساء وأسرهن ومجتمعاتهن وبلدانهن، حيث أن زيادة خطر تعرضهن للعنف الأسري والإغتصاب ، لهذا فإن جميع هذه الممارسات تتطلب جهود حثيثة للقضاء عليها ،أو الحد منها ، من هنا نرى ضرورة قيام الجمعيات والمؤسسات الاهلية والنسوية والاحزاب بدورها من اجل وقف العنف ضد المرأة من خلال تنظيم الندوات والمحاضرات بإشراك الرجال والشباب في مناهضة العنف ضد المرأة حتى تساهم في تحقيق ذلك من خلال تغيير المفاهيم الذكورية والصورة النمطية للنساء بهدف الوصول الى مجتمع خالي من العنف، لأن العنف ضد المرأة والفتيات ليس بالأمر الذي لا يمكن اجتنابه ، فمكافحته أمر ممكن وحتمي،لأن المرأة في انحاء العالم العربي، كعضوات في احزاب سياسية، اكانت مرخصة او في المعارضة، ، والمرأة لم تكن فقط ناشطة فقط فهي ايضا مناضلة وطبيبة واعلامية وسياسية وشاعرة وفنانة وطالبة ومن اجيال مختلفة، ولأن نضال المرأة العربية بالرغم ما تتعرض لها بلدانها من قوى ارهابية وتعرضها لكل أشكال الانتهاكات من تهجير وتخويف وتعذيب وبيع وقتل واغتصاب فردي أو جماعي ظلت منتصبة القامة ، على الرغم من كل ذلك إلا أن المرأة العربية مازالت تكمل مشوارها وتنطلق بجدية بعيداً عن الأضواء لتعمل كل واحدة في مجالها وحيث توجد، وذلك لبناء نموذج حضاري جديد يعالج كل أشكال الانقسامات الفئوية والطائفية ويقرب الأخوة من بعضهم، لأنها هي وحدها القادرة على لئم الجرح.
أن ما يميز الإنتفاضة الحالية، هو الحضور اللافت للفتاة الفلسطينية، والثورة الغاضبة للفلسطينيات، اللواتي رفضن الإنصياع لمنطق أن تبقى الفلسطينية، أخت الشهيد، وأم الأسير، فأصبحت هي ذاتها، المقاوِمة، والشهيدة والأسيرة والجريحة، ومن هنا نرى الفتيات يجمعن من تيسر من حجارة وتحضيرها لشبان الإنتفاضة، كي يقوموا بإلقاء المزيد منها على جنود وآليات الإحتلال، بينما لعبت النساء الفلسطينيات دوراً رياديا في إفشال العديد من محاولات اعتقال الشبان، فكن يتجمعن بعفوية، على مقربة من جنود الاحتلال أثناء اعتقالهم لأحد الشبان، ويعملن على تخليصه من بين أيديهم، وتوفير الحماية له .
ان مشاركة الفتيات الفلسطينيات، ومن بينهن شابات عازبات، ونساء متزوجات، وفي بعض الأحيان يظهر بينهن بعض المُسنّات،. يدافعن عن كرامة وطنهن، ولديهن رغبة جامحة وحماسة شديدة لخوض المواجهة، ويرين في أنفسهن القدرة على ذلك، وما مواظبتهن على فعاليات المواجهة اليومية، في مختلف مناطق الضفة الفلسطينية والقدس ، حيث تظهر الفتيات المُلثمات بالكوفية الفلسطينية بكثافة، ولكل واحدة منهن دورها في المواجهة، وفي ذلك رسالة، بأن الوحدة الوطنية هي سيدة الموقف في ميدان المواجهة ليؤكدن بأن هذا الوطن للجميع، ويجب أن لا يقتصر الدفاع عنه على الرجال والشبان فقط، فهن بالفعل نصف المجتمع في شتى المجالات، بما فيها المقاومة، فهذه المرأة أصبحت تتولى مناصب قيادية في أعرق المؤسسات، رغم عنف الاحتلال و مرارة الأسر في سجون الإحتلال على خلفية قيامهن بفعاليات نضالية، نعم نقول ذلك لأن المرأة الفلسطينية ناضلت جنباً إلى جنب مع الرجل، وسطرت أمثلة رائعة في نضالها وكفاحها في معركة الوجود والحرية، التي يخوضها الشعب الفلسطيني منذ الإحتلال.
واليوم فتيات فلسطين ، بتن ينافسن الرجال، بل ويسبقنهم، إلى ميدان المواجهة الشعبية، الذي يقودها جيل شاب، رغم ما تتعرض له من ازمات، وهذا يستدعي من الجميع العمل على تأمين متطلبات ارتقاء المرأة اجتماعيا وثقافيا، وبما يؤهلها للمشاركة في الحياة العامة، في محيطها وعلى صعيد المجتمع ، ومعالجة أثار التخلف الاجتماعي على المرأة جراء الاحتلال وآثاره، و العادات والتقاليد الاجتماعية ومحاربة التمييز والعنف ضد المرأة بجميع أشكاله وانهاء تبعيتها للرجل ،وضمان مساواة المرأة في الأجور،في جميع القطاعات الاقتصادية، وتوفير بيئة وظروف عمل مناسبة، وضمان حق النساء العاملات في حماية الأمومة والطفولة المنصوص عليها في القوانين حتى تتمكن من مواصلة نضالها .
ختاما : لابد من القول اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة حتى ترتقى إلى مستوى تاريخها العريق في النضال الوطني والطبقي والاجتماعي ، لأن المجتمع الذي يقرر دون أن يعلم أن لكل شخص فيه دوراً وموقفاً وخطوة وحجراً لبناء هيكله الكامل، وأن لكل امرأة ورجل التكامل موجود في العمل المشترك، كما في الحياة المشتركة، وعلى المجتمع ألا يبني أفكاراً على أن المرأة هي ملكية، بل هي الشريك، لانها من حقها ان تتحرر من ظلم مجتمع يحيطها بألف رأي واحتجاجٍ ورفضٍ وعادات وتقاليد، وأحياناً بكلمات ظاهرها معسول وباطنها قيد كأن يقولون لها (نريدك ملكة)،فعندما تتحرر من كل هذا، حيئذ فقط تصبح حقاً ملكة، صاحبة قرار ورأي، واليوم فتيات فلسطين المناضلات هن يواجهن الاحتلال بحجارتهن من اجل حرية فلسطين واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.