أخر المستجدات
الرئيسية » آخر الأخبار » ثقافة الإعتذار… مقال بقلم د. محمد الغلبان

ثقافة الإعتذار… مقال بقلم د. محمد الغلبان

مقال
بعنوان :
ثقافة الإعتذار
*********
هكذا أجابتنى ملهمتى عندما سألتها عن مقالة الجمعة فوجدت فيها إستكمالا لما بدأنا فى تعميق وتأصيل مفهوم الإختلاف الصحيح فى الإسلام ومؤداه.
************

* ولما لا ؟! فالذلل والخطأ والنسيان من أهم سمات الإنسان ولكن الحكمة تقتضى عند إستشعارك للخطأ فى أمرا أو شخصا ما فعليك أن تبادر وتسارع بالإعتذار فإنه من شيم الكبار !!!
مصدقا لقول حبيبنا عليه أفضل الصلوات وأجل التسليم :
” كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ” صدق رسول الله صل الله عليه وسلم – رواه الترمذى وابن ماجه والحاكم .

* فلا غرو فى أن يخطئ الإنسان فى حق أخيه ، فالخطأ وارد لا محالة مهما حاولت تجنبه سواء بالفعل او باللفظ ، ولكن مكمن الخطورة ينحصر فى كيفية الإستدراك ومحاولة إصلاح ذلك الذلل بالإعتذار بعد مراجعة النفس وعتابها ومحاولة نهوها وردعها وإمساك زمامها لكى لا تقع فى شراك الغى والضلال
فعلى قول فاروق الأمة وإمامها العادل عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه وإقتفاءا لآثره حين قال : ” حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ”

* فنحن يامعاشر العرب نرى فى الإعتذار مذلة وخضوع وإمتهان ، بل على النقيض تماما ففيه للمخطئ الآيب قوة وشجاعة وإقدام يسمو به ويجعله فوق الرؤوس وفى القلب والوجدان لما اعتراه من شعور بالخطأ والذلل جعله يراجع ذاته وينقدها محاولا تقويمها وتعديل مسارها وتهذيبها واصلاحها
وتذكر دائما أنه ليس الإنتصار أن تنتصر على عدوك ولكن حقيقة الإنتصار أن تنتصر على نفسك وشهواتها ورغباتها .

* فعلينا يا معاشر الفضلاء أن نتخذ تلك الثقافة منهجا وأسلوب حياة فى مجتمعنا ، فحين نربى أبناءنا ونعودهم ونلقنهم مفردات الإعتذار والتواضع ونغرس فيهم قيم الرجوع إلى الحق والفضيلة والتوبة والأوبة إلى طريق الصواب والسبيل لسداد الرأى فبها نرسخ ونعمق هذا المفهوم وهذه الثقافة .
فمن أفسد شيئ فعليه إصلاحه قولا وعملا

*ولكن قبل هذا كله يجب أن يغيير الأباء والأمهات والمعلمين والمعلمات من سلوكياتهم أولا أمام أبناءهم وطلابهم وذويهم كمسلك من مسالك التعليم والتلقين لأن فاقد الشيئ لا يعطيه – فكيف لك أن تعلم وتربى ، وأنت من تحتاج إلى التعلم وغرس هذه القيمة والثقافة وتأصيلها فى نفسك .
أما إذا نهاك شيطانك وكبرك وغرورك عن إتباع هذا المسلك وعدم الرجوع إلى الحق وانتهاج هذا النهج فمن أين إذن يتأتى لأبناءك وذويك تلك الثقافة ؟! وممن يستقيها ؟!

* ولنا فى أنبيائنا عليهم أزكى الصلوات وأجل التسليم القدوة وأروع المثل فى الإعتذار

– فأبى البشر آدم عليه السلام إعترف بذنبه عندما أخطأ هو وأمنا حواء وأكلا من الشجرة المحرمة حيث قالا كما ورد فى أية الذكر الحكيم : بسم الله الرحمن الرحيم ” قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ” صدق الله العظيم – الأعراف – أية (23)

– ونبى الله موسى الكليم بعد أن وكز الرجل فقضى عليه قدم الإعتذار قائلا : بسم الله الرحمن الرحيم ” قال رب إنى ظلمت نفسى فإغفر لى فغفر له ، إنه هو الغفور الرحيم ” صدق الله العظيم – القصص (16)

– ونبى الله الخاتم محمد صل الله عليه وسلم عندما إعتذر للأعمى ” عبدالله بن أم مكتوم ” على رؤوس الأشهاد ……. معلما – (فحينما ذهب إليه ليفقهه فى أمور دينه وكان صلّ الله عليه وسلم يستعد لملاقاة وفد رفيع المستوى من قريش ليدعوهم إلى الإسلام وقد تلهى عنه صلوات ربى وسلامه عليه غير قاصد ولا متعمد ، فخرج من عنده ابن أم مكتوم حزينا مكلوما ، وقد نزلت – سورة عبس – لتعالج هذا الموقف وتعلم وترسخ هذا المفهوم )
ليستقبله المصطفى بعبارة تقشعر منها الأبدان قائلا ” أهلا بمن عاتبنى فيك ربى ”

* إنها التعاليم والسنن والوصايا والتهاذيب والثقافات الواجب تأصيلها وتعميق مفهوما وصداها لترويض النفوس ومجابهة هواها فى مجتمع ضاع فيه إحترام الأخر كبيرا كان أو صغير .

* أوصى نفسى وإياكم أن نعلم ونلقن أبناءنا وذوينا ومحبينا ونربيهم على هذه الثقافة والتى – لها ما لها – من مردود طيب وصدى مدوى فى نفس من أخطأت فى حقه حتى وإن كنت غير متعمد لذلك .

* أما إذا كنت من أنصار عدم الإعتذار فحاول أن تجابه نفسك وتجاهدها وتحيدها دائما عن الخطأ والذلل قولا وفعلا كى لا تضطر للاعتذار .

والله من وراء القصد ،،،
أحبكم جميعا فى الله

د. الغلبان

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.