أخر المستجدات
الرئيسية » أدب الكتاب » سعداء بفشل ابنائهم – بقلم ~ عيسى المبيضين – الأردن

سعداء بفشل ابنائهم – بقلم ~ عيسى المبيضين – الأردن

سعداء بفشل ابنائهم

بقلم عيسى المبيضين – الأردن

ترك شماغه المهدب في بيته واحتفظ به لحين عزاء لا أكثر,يحضر الى مكتبه كل يوم لابسا بدلة رسمية كان قد اشتراها قبل عامين من وسط البلد بثلاثين دينارا,اما حذاؤه فيبدو انه ذاك الذي كان لشقيقة الذي تقاعد من القوات المسلحة برتبة وكيل,يعمل صديقنا موظفا في احدى الدوائر الرسمية ويحمل لقبا لا يستهان به, ويتعامل مع جمهور كبير من التجار واصحاب والاموال,ويقضي جل وقته مدافعا عن حق الدولة واموال الخزينة.
ما دفعني للكتابة بان هذا القروي النزيه ,كريم النفس وطيب الذكر,كان على غير عادة الناس ويخالف امنيات الاردنيين ,وكان ينتظر بفارغ الصبر نتيجة ابنه في امتحان الثانوية العامة,لتبدو السعادة على محياه حينما علم بان فلذة كبده لم ينجح,والسبب انه لا يملك مالا لينفق على دراسته الجامعية ,ولان ابنه الاكبر ما زال على مقاعد الدراسة ,ومن الاستحالة بمكان ان يتحمل عبء طالبين معا.
اي جريمة ترتكب بحق هذا النوع من البشر الممتلئ عزة وكرامة وشموخا ونزاهة, الذي سجى حلم ابنائه وطموحهم بامنية فشل تغص قلبه وتقلق مضجعه,واي فاسد ذاك الذي هرب ونجى حارما الشرفاء من احلامهم الوردية,ويا ترى هل شملت برامجنا الرسمية ادنى احتياجات ذلك الموظف وغيره ممن يحملون الامانة ,ام انها حلقت ببرامج تحول اقتصادي لترسم خارطة غيرهم ,ولتكون نتيجة هذا الحرمان وسرقة الامنيات هو انهيار منظومة اخلاص وظيفي بنيت على العادات والتقاليد والقيم اكثر من ارتباطها بالقانون.
كثيرة هي الهبات والمنح,ومتكررة تلك الاعطيات لغير اصحابها,فكم من طالب انفقت على دراسته اكثر من جهة في ان واحد,لان اباه ممن وقع عليهم سوء الاختيار وجاهيا,ليتصدر واجهة اللقاءات ,مقصيا بذلك اصحاب العقول النيرة والقلوب البيضاء.
ذلك الموظف يحمل نفسا مطمئنة وهادئة,اختار من اغنية ماجدة الرومي لحنا لهاتفه النقال,ليطرب في اول الاغنية ,وليبكي أملا وألما عندما يسمعها تقول”والمطر الاسود في عيني” او حينما تنتفض في نصف الاغنية”يبني لي قصرا من وهم لا اسكن فيه سوى لحظات”,وقبل ان يشرع بالرد على المكالمة,يجر قدميه حينما تغني بلسان حاله”وأعود لطاولتي لا شيء معي الا كلمات”.
في يوم ما ستتبدل الامنيات يا صديقي وسينجح ابنك وسيلتحق بركب البطالة لانك لا تحمل الا وجها واحدا,ولا تمتد يدك الا على جيبك ,وحينما يكبر ويفوته قطار الحياه سيبحث عن فتاة قروية من بنات عمومته ,وسيبني خيمة زواج يزينها العلم,وسيطرب الحاضرون كلما سمعوا الاغنية التي اختارها ابنك “انا امي اردنية همها تربي زلم”,في حين سيستورد صاحب المنحة المسروقة مطربا باغنية لا تتجاوز حرفين أحدهما ليس عربيا,وسترافقه راقصة يستقبلها الاعلام ويصورها وهي تدنس المنسف.
اما ان الاوان لدراسة شمولية لواقع احتياجات ابناء الوطن من موظفي الحكومة الاغنياء من التعفف,اليس من الاهمية بمكان ان تعمل الحكومات بكل جدية على صنع واقع كريم لمن هم على شاكلة هذا الموظف الامين المؤتمن.
وعليكم ان تحسنوا اختيار الجلساء حتى تصدقوا بان الناس ليسوا بخير,وابحثوا عن ذلك الموظف في كل مكان وقبلوا يده,كما قبل النبي عليه الصلاة والسلام يد عبدالله بن مسعود الطاهرة,وخاطبه حينها قائلا”انها يد يحبها الله ورسوله”.

بقلم عيسى المبيضين

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.